إعداد/ محمد مأمون ليله
قال شيخنا المكرم/ أحمد محمد علي وفقه الله:
مقام العلم ومقام المعرفة
يرى الشيخ الأكبر قدس الله سره أن أهل الله اختلفوا في مقام المعرفة والعارف، ومقام العلم والعالم ، فطائفة قالت: مقام المعرفة رباني، ومقام العلم إلهي، وقال بهذا القول الشيخ الأكبر.
وطائفة قالت: مقام المعرفة إلهي، ومقام العلم دونه، وبه أيضا قال الشيخ الأكبر. فالخلاف بين أهل الله في مقام المعرفة ومقام العلم خلاف لفظي، فالقائل بمقام المعرفة إذا سألته عنه أجاب بما يجيب به المخالف في مقام العلم، فوقع الخلاف في التسمية لا في المعنى؛ لذلك وافق الشيخ الأكبر الطرفان لعلمه بمرادهم في المعنى.
ويرى الشيخ الأكبر قدس الله سره أن العلم والمعرفة في الحدّ والحقيقة على السواء؛ مِن كشفِ الشيء على ما هو عليه، وأنه واجب علينا أن نبقى على ما سمّانا به الحقُّ – تعالى – ولا نخالف!
وأنّ هذا القائل بإطلاقِ المعرفة في الموضع الذي يجب فيه إطلاقُ العلم بلزوم الأدب الإلهيّ، إنّه لو تحقّق في الوِرث النبويّ؛ ما سمّى ذلك المقام إلّا عِلمًا، ولا سمّى صاحبَه إلّا عالمًا. فلا ننتقل من اسم سمّانا اللهُ – تعالى – به، ونبيُّه، إلى غيره، ونرجّحه عليه، ونقول فيه: “عارف” وغير ذلك؟! وأن ذاك إلّا من المخالفة التي في طبع النفس حتى لا توافقَ اللهَ – تعالى – فيما سمّاها به، ورضيتَ أن تقول فيه: “عارف”، ولا تقول: “عالم”. نعوذ بالله من حرمان المخالفة.
ولذلك نجد الشيخ الأكبر قدس الله سره يقدم اعتذارا عن أهل الله فيما وقعوا فيه، فيقدم معذرةٌ يعتذر بها عن أصحابه في تسميتهم صاحبَ المقام الذي ذكرناه آنفًا: “عارفًا” ولم يسمّوه “عالِمًا” وهو كان الأَوْلَى والأسدّ من كلِّ وجهٍ. ولا عذر لمن تحقّق بالمقام المذكور في حيدته عن اسم العالِم إلى العارف ، فإنّ الحُكم يتوجّه عليه في دعواه بلسان: ﴿قُلِ الله ثُمَّ ذَرْهُمْ﴾ [الأنعام: 91] ويمشي حاله على الأدب الإلهيّ كما يعطيه المقام. ولكن غلبتْ عليهم – رضي الله عنهم – الغيرةُ على طريق الله؛ لمّا رأوا أنّه قد شاع في العالَم، أنّه يسمّى عالِمًا؛ مَن كان عنده عِلم مّا من العلوم، وإن كان قد أَكَبَّ على الشهوات، وتورَّط في الشبهات، بل في المحرَّمات، وآثر القليلَ على الكثير ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾ [النساء: 77].
ويرى الشيخ الأكبر قدس الله سره أن المعرفة والعلم تميزا في الدلالة كما تميزا في اللفظ، فيقال في الحق إنه عاِلم ولا يقال فيه عارف ولا فقيه، وتقال هذه الثلاثة الألقاب في الإنسان، وأكمل الثناء تعالى بالعلم على من اختصه من عباده أكثر مما أثنى به على العارفين فيقول الله – تعالى – : ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28] ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: 18] فاختصاص من شاركه في صفة العلم أعظم عنده، لأنه يرى نفسه فيه، فالعالِم مرآة الحق، ولا يكون العارف ولا الفقيه مرآة له – تعالى – ، وكل عالِم عندنا لم تظهر عليه ثمرة علمه ولا حكم عليه علمه؛ فليس بعالم وإنما هو ناقل.
كما أن المعرفة نعت إلهي لا عين لها في الأسماء الإلهية من لفظها فالله – تعالى – لم يسمي نفسه عارفا، فالمعرفة تختص بالأحدية، والتي هي أشرف صفات الواحد لأنها أحدية المكانة فلا تطلب غير الواحد، بينما يتعلق العلم بالأحدية أحياناً وبغيرها في أحيان أخرى.
والمعرفة عند الشيخ الأكبر محجة، فكل علم لا يحصل إلا عن عمل وتقوى وسلوك فهو معرفة، لأنه عن كشف محقق لا تدخله الشبه، بخلاف العلم الحاصل عن النظر الفكري لا يسلم أبدا من دخول الشبه عليه، والحيرة فيه، والقدح في الأمر الموصل إليه.
ويرى الشيخ الأكبر قدس الله سره أن هذه المعرفة الخاصة بأهل الحق تنحصر في العلم بسبعة أشياء إذا ما عرفها أحد، حصلت لديه المعرفة ولن يخفى عليه شيء. وهذه العلوم هي:
(العلم الأول) علم الحقائق وهو العلم بالأسماء الإلهية.
(العلم الثاني) العلم بتجلى الحق في الأشياء.
(العلم الثالث) العلم بخطاب الحق عباده المكلفين بالسنة الشرائع.
(العلم الرابع) علم الكمال والنقص في الوجود.
(العلم الخامس) علم الإنسان نفسه من جهة حقائقه.
(العلم السادس) علم الخيال وعالمه المتصل والمنفصل.
(العلم السابع) علم الأدوية والعلل.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.