إعداد/ محمد مأمون ليله
قال الشيخ المكرم/ أحمد محمد علي وفقه الله:
(توحيد الاستغاثة)
يذكر الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي – قدس الله سره – في قول الحق – تعالى – : ﴿حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾ [يونس: 90] وهو التوحيد الثاني عشر في مواضع القرآن، وهو توحيد الاستغاثة، وفي هذا التوحيد يستعرض الشيخ الأكبر مسألة إيمان فرعون، فيرى الشيخ الاكبر أن ظاهر الآيات القرآنية كما سأعرضها تقول بصحة هذا الإيمان من غير القطع بذلك ، وأما مسألة قبول هذا الإيمان من عدمه فالشيخ الأكبر لايؤكّد أنّ الله – تعالى – قد قبل إيمانه فهذا أمره إليه – تعالى – ، فمن شرح الله صدره لفهم ما سأورده من مقصود الشيخ الأكبر فقد وقف على مفهوم الرحمة وعلاقتها بالتوحيد وهو توحيد الاستغاثة عند الشيخ الأكبر – قدس الله سره -.
يذكر الشيخ الأكبر أن توحيد الاستغاثة هو توحيد الصلة، فإنه جاء بالذي في هذا التوحيد، وهو من الأسماء الموصولة، وجاء بهذا ليرفع اللبس عن السامعين كما فعلت السحرة لما آمنت برب العالمين فقالت: ﴿رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف: 122] ولهذا توعدهم، ثم تمم وقال: ﴿وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: 90] لما علم إن الإله هو الذي ينقاد إليه ولا ينقاد هو لأحد، وذلك ليعلم قومه برجوعه عما كان ادعاه فيهم من أنه ربهم الأعلى، فأمره إلى الله فإنه آمن عند رؤية البأس، وما نفع مثل ذلك الايمان فرفع عنه عذاب الدنيا إلا قوم يونس ولم يتعرض للآخرة، ثم إن الله صدقه في إيمانه بقوله: ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ﴾ [يونس: 91] فدل على إخلاصه في إيمانه، ولو لم يكن مخلصا لقال فيه – تعالى – كما قال في الأعراب الذين قالوا آمنا: ﴿قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: 14] فقد شهد الله لفرعون بالإيمان، وما كان الله ليشهد لأحد بالصدق في توحيده إلا ويجازيه به، وبعد إيمانه فما عصى فقبله الله إن كان قبله طاهرا، أي إن كان الله قد قبل إيمان فرعون ولا يعلم أحد ذلك غير الله، والكافر إذا أسلم وجب عليه إن يغتسل، فكان غرقه غسلاً له وتطهيراً حيث أخذه الله في تلك الحالة ﴿نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى﴾ [النازعات: 25] وجعل ﴿ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾ [النازعات: 26] وما أشبه إيمانه إيمان من غرغر فإن المغرغر موقن بأنه مفارق قاطع بذلك، وهذا الغرق هنا لم يكن كذلك لأنه رأى البحر يبسا في حق المؤمنين فعلم أن ذلك لهم بإيمانهم، فما أيقن بالموت بل غلب على ظنه الحياة، فليس منزلته منزلة من حضره الموت فقال: إني تبت الآن، ولا هو من الذين يموتون وهم كفار، وأمره إلى الله – تعالى – ولما قال الله له: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾ [يونس:92] كما كان قوم يونس، فهذا إيمان موصول، وقدم الهوية لبعيد ضميريه عليه ليلحق بتوحيد الهوية.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.