إعداد/ محمد مأمون ليله
قال الشيخ المكرم/ أحمد محمد علي وفقه الله:
(توحيد الاستكفاء)
يذكر الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي قدس الله سره في قول الحق – تعالى – : ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [التوبة: 129] وهو التوحيد الحادي عشر في مواضع القرآن، وهو توحيد الاستكفاء، وهو من توحيد الهوية لما قال الله – تعالى – : ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2] فأحالنا علينا بأمره فبادرنا لامتثال أمره، فمنا من قال: لولا إن الله قد علم إن لنا مدخلا صحيحا في إقامة ما كلفنا من البر والتقوى ما أحالنا علينا، ومنا من قال: التعاون الذي أمرنا به على البر والتقوى أن يرد كل واحد منا صاحبه إلى ربه في ذلك ويستكفي به فيما كلفه، و قوله – تعالى -: ﴿اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ ﴾ [الأعراف: 128] خطاب تحقيق ﴿ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ﴾ [التوبة: 129] والتوكل اعتماد القلب على الله – تعالى – مع عدم الاضطراب عند فقد الأسباب الموضوعة في العالم، التي من شأن النفوس أن تركن إليها، فإن اضطرب فليس بمتوكل، وهو من صفات المؤمنين. وقوله – تعالى -: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾ [البقرة: 45] خطاب ابتلاء، فإذا سمع القوم اللذين قالوا: إن لنا مدخلا محققا في العمل ولهذا أمرنا بالتعاون ما قاله من جعله خطاب ابتلاء، أو حمله على الرد إلى الله في ذلك لما علمنا أن نقول: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5] و ﴿اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ ﴾ [الأعراف: 128] وهو قول موسى لقومه مع أنهم ما طلبوا معونة الله إلا وعندهم ضرب من الدعوى، ولكن أعلى من أصحاب المقام الأول وأقرب إلى الحق، فتولوا عنهم في هذا النظر ولم يقولوا به فقال – تعالى – لهم فإن تولوا عما دعوتموهم إليه ﴿فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ﴾ أي في الله الكفاية ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ فإذا كان رب العرش والعرش محيط بعالم الأجسام، وأنت من حيث جسميتك أقل الأجسام فاستكف بالله، الذي هو رب مثل هذا العرش، ومن كان الله حسبه انقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسه سوء، وجاء في ذلك بما يرضى الله، والله ذو فضل عظيم على من جعله حسبه.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.