إعداد/ محمد مأمون ليله
قال الشيخ المكرم/ أحمد محمد علي وفقه الله: (توحيد الأمر بالعبادة)
يذكر الشيخ الأكبر قدس الله سره في قول الحق – تعالى – : ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 31]، وهو التوحيد العاشر في مواضع القرآن، وهو توحيد الأمر بالعبادة من حيث أحدية العين مع كثرة الأسماء الإلهية، وهو من أعجب الأمر إذ كيف يكون الأمر فيما هو ذاتي للمأمور؟ فإن العبادة ذاتية للمخلوقين، فإن حقيقة الطالب للرزق إنما تعبد الرزاق، وحقيقة الطالب للعافية إنما تعبد الشافي، فقيل لهم: لا تعبدوا إلا إلها واحداً وهو أن كل اسم إلهي وإن كان يدل على معنى يخالف الآخر فهو أيضا يدل على عين واحدة تطلبها هذه النسب المختلفة، وأما من حمل العبادة هنا على الأعمال فلا معرفة له باللسان، فالعمل صورة، والعبادة روح لتلك الصورة العملية التي أنشأها المكلف، وأما غير المؤمنين وهم المشركون فهم الذين نسبوا الألوهة إلى غير من يستحقها، ووضعوا اسمها على غير مسماها، وادعوا الكثرة فيها، كما ادعوا الكثرة في الإنسانية فدعواهم فيها صحيحة، وما عرفوا بطلانها في الإلهية ولذلك تعجبوا من توحيدها فقالوا: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: 5] وما علموا إن جعل الألوهة في الكثيرين أعجب فقيل لهم: وإن كنتم ما عبدتم كل من عبدتموه إلا بتخيلكم إن الألوهة صفته فما عبدتم غيرها، ليس الأمر كذلك فإنكم شهدتم على أنفسكم إنكم ما تعبدونها إلا لتقربكم إلى الله زلفى، فأقررتم مع شرككم إن ثم إلها كبيرا لهذه الآلهة خدمتكم إياها تقربكم من الله فهذه دعوى بغير برهان وهو قوله: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ﴾ [المؤمنون: 117]وهذه أرجى آية للمشرك عن نظر جهد الطاقة، وتخيله في شبهه أنها برهان فيقوم له العذر عند الله، فإذ وقد اعترفوا أنهم عبدوا الشريك ليقربهم إلى الله زلفى، فتح القائل على نفسه باب الاعتراض عليه بأن يقال له ومن أين علمتم إن هذه الحجارة أو غيرها لها عند الله من المكانة بحيث أن جعلها معبودة لكم كما قال: ﴿فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾ [الأنبياء: 63] فالذين عبدوا من ينطق ويدعي الألوهة أقرب حالا من عبادة من لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنهم شيئا وهذا قول إبراهيم – عليه السلام – لأبيه وهو الذي قال فيه – تعالى – : ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ﴾ [الأنعام: 83] وأبوه من قومه، وهذه وغيرها من الحجة التي أعطاه الله فأمرهم الله أن لا يعبدوا إلا إلها واحدا لا إله إلا هو في نفس الأمر – سبحانه – أي هو بعيد أن يشرك في ألوهيته.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.