كثيرة هي الآلام في حياتنا ومتعبة هي الأوجاع التي يمر بها الإنسان في مشوار حياته الذي لا يعلم إلى كم من السنوات يمتد، ولكن يبقى ألم ووجع واحد من الصعب معالجته ألا وهو ألم الفقد والموت، هو ألم يصيبك من الداخل، ولا تعلم كيف تعبر أو تنّفس عّما بداخلك من مشاعر وأحاسيس تمتزج معها الذكريات بمن عاشوا معك أو حولك وذقت معهم جمال الحياة وقسوتها.
يبدو الفقد، أو الذهاب الأخير الذي لا عودة منه، الذهاب الكبير المؤلم، هو أكثر ما يحضر في هذه الأيام، فلا يكاد يمر يوم دون أن نتعثر بشهقة صديق أو غصة ابن أو أخ فقد أباً أو أماً أو صديقاً.. وفي حضرة الغياب هذا، كما يقول درويش فإن «الموت لا يوجع الموتى، الموت يوجع الأحياء»، ولذلك فإن عبورهم أيام الفقد الأولى يبدو أصعب من رتق لحم حيّ، وأكثر حرقة من وضع الملح في قعر جرح نازف!
لذلك فمن ذاق ألم الفقد يظل مسكوناً بالخوف دوماً، ويصير كل شيء متوقعاً وهيّناً، ومقدوراً عليه، إلا الفقد لا يمكن للإنسان أن يتعداه أو يقدر عليه مهما عايشه وعانى منه.
فإن ألم الفراق موجعٌ، وأشد إيلاما من الألم الجسدي في كثير من الأحيان، لكننا مطالبون بإدراك أننا خلقنا لنحمل لمن حولنا وللعالم رسالة، وأننا لا ينبغي أن نتخلى عن دورنا الذي خُلِقنا من أجله، والاستسلام لألم الفراق وما ينتج عنه يعني انهماكنا فيما لا ينفعنا ولا ينفع الناس، وهذا بدوره سيعيدنا إلى الخلف أعواما كثيرة بدلا من أن نتقدم إلى الأمام، وكلمة السر في الحصول على القوة النفسية التي ستمكنا من تجاوز هذا الألم هو الله سبحانه وآياته، فعلاقتنا بالله تعالى وكتابه هي خير مهدئ للنفس، في ظل عاصفة شديدة كعاصفة فراق حبيب، وحينها سندرك أننا أكثر قوة وأشد تماسكا، وأننا قادرون على الوقوف على أقدامنا من جديد
رحم الله أرواحاً كانت تعيش بيننا وتغمرنا ببشاشتها وابتسامتها رغم آلام وأوجاع المرض، رحم الله تلك الضحكات وتلك الملامح التي لا تغيب عن مخيلتنا فهي من علمنا الحب والإخلاص والتضحية والعطاء. ورسالتي هي رسالة حب وأمل، فاستثمروا ما تبقى من سنين أو أشهر أو أيام في هذه الدنيا في المحبة والتعايش والرضا واستثمروا كل ساعة في صنع الفرح فلا نعلم متى نرحل ومتى يحين الفراق.