تأتى حكومات وتقال أخرى ويذهب أشخاص ويأتى أخرون، والمشاكل كما هى والفساد ما زال يقبع فى أعماق الوطن يشكوا منه الجميع فتردى الحال من سيئ إلى أسوء وتفشت الأمراض ،وانهار التعليم وضاعت الأجيال بين فساد الحاضر ومجهول المستقبل !!
فهل مشكلة مصر مرتبطة باستبدال شخص بشخص أخر أم أن السياسات العامه والقوانين التى تعطل أكثر مما تنجز والبيروقراطية العقيمه التى لا تناسب حاجة العصر، والمركزية التى تقتل روح الإنجاز وعدم وجود رؤيه حقيقيه من الإداره الحاكمة لمستقبل البلاد هو السبب لما نحن فيه، بالطبع كل هذه عوامل ساهمت فى تراجع مستوى مصر إلى منحدر سيئ عمق الفجوة بينها وبين العالم الخارجى بشكل جعلها فى مؤخرة الدول ثقافه وحضارة وتقدما، لكن هل هذا فقط هو السبب أم أن هناك حزمة أخرى من المشاكل كان لها دور كبير فى هذا التأخر والتخلف الذى نعيش فيه ؟؟
بالطبع هناك عيوب كثيره ومنها المناخ العام السيئ ومستوى الوعى ، وغياب القدوه ، والتعليم الهابط وما يفرزه من لياقات عقليه هابطه
العيب فى النمط الإستهلاكى من الحياه وما يفرزه من جشع مادى وتهالك وسلوكيات أنانيه
العيب فى روح التسليه وقتل الوقت والإعلام الترفيهى الذى يقلل جرعات التفكير مقابل حشو العقول بمواد سامه تغيب عقل المواطن وتسرقه من نفسه، العيب فى الأمية الأبجديه والمهنيه والعقائديه التى يعانى منها نصف المجتمع ، العيب فى المحسوبيه وعدم تكافئ الفرص واختلال معايير الإختيار للمسئولين والقائمين على شئون الدوله الذين يتم اختيارهم على أساس شخصى لا موضوعى !!
المشكله فى الإقتصاد الشمولى وما به من عراقيل تعيق أى تقدم وتضييق من الجهات الحكومية ، العيب فى تخلى الدوله عن دورها الرئيسى بالتنميه وتركها لمافيا رؤوس الأموال التى تهدف سياستهم لتحقيق الربح الشخصى دون النظر للنفع العام للدوله مع الإحتكار الدائم للسلع للتحكم فى أسعارها بما يضر حياة البسطاء ، ولنا فى النموذج الألمانى أسوة حسنه فى هذا الجانب ، فبعد الحرب العالميه بدأ الألمان فى بناء بلدهم بعدما تحولت إلى حطام وطن ، فكان من ضمن أفكار النهوض بالإقتصاد هو ما قام به وزير الإقتصاد أنذاك “لودفيج إيرهارد” حين فرض سياسة إقتصاد السوق الإجتماعى بحيث حافظ على عناصر الأسواق الحرة وألياتها وفى نفس الوقت، سيدت الدوله نفسها كراعية لهذه الأسواق منعا للإحتكار مما شجع على نمو الشركات ومشاركة الجميع فى الثروة .
تلك الأفات التى نخرت فى كيان المجتمع وفى سلوكيات الناس مما أدى إلى تهاوى البنيه الأخلاقيه والإجتماعيه والسياسيه والتى خلفت مردود سلبى لا يلبى حاجة المجتمع فى التقدم الإقتصادى والرقى الثقافى ، الرجوع إلى نقطه الصفر هو الحل لإعادة بناء الوطن من خلال حل المنظومة الأخلاقية الحاليه وزرع قيم جديدة عن طريق حملات تتولى تعبئتها وزارة التعليم والمنابر الإعلامية المختلفة ، عدم نشر السلبيات فى المجتمع كحوادث وجرائم وقضايا جنسيه فهذه الأخبار لها بالغ الأثر على تردى حال المجتمع وإشاعة روح اليأس والإحباط بين طبقاته المختلفة ، تغليب ثقافه العمل على ثقافه الترفيه والتسليه وأن يكون الضمير هو المرجع الأول فى الرقابه على الأداء المهنى لأن عين القانون ليست رقيب على كل إنسان، فحين يعامل الفرد ضميره ويراقب ربه لن يحتاج إلى توجيه من أحد ولا خوف من أى عقاب لأنه تحلى بالرقابة الذاتيه على نفسه، ويحضرنى فى هذا الصدد ما حكاه لى صديق كان فى رحله إلى اليابان وأثناء عودته إلى بيته توقف قليلا أمام إحدى الوحدات التجارية وكانت إشارة المرور تعطى إشارة حمراء ما يستوجب على المارة الوقوف وعدم الحركه وكان هناك رجل يقف ينتظر تغير الإشارة بالسماح له بالمرور فيقول لى لكن الغريب أن الطريق كان خاليا تماما من السيارات ولن يطوله ضرر اذا مر ،ومع ذلك توقف وانتظر إذن الإشارة للمرور وهذا مرده إلى ثقافه المراقبة التى تربى عليها لذلك التزم النظام .
الشفافية فى الخطابات الرسميه ومصارحة الجماهير بما يتم من إنجازات وفق أرقام صحيحه غير مضللة للرأى للعام حتى لو كانت أرقام غير طيبه كى يعلم الجميع مواضع القصور والثغرات الواجب تسديدها ورصد الأخطاء ومعالجتها ، وأيضا يجب نشر النتائج الإيجابية التى ساهمت فى إحراز تقدم حتى يعلم المواطن أن ما تم بذله من مجهود كان له صدى حقيقى وأثر على الإقتصاد مما يزيد من شغفه لتحقيق المزيد من الجهد ومضاعفة الإنتاج
لابد من وجود مشروع قومى يلتف حوله الناس ورسم خريطه واضحه له تحدد فيها الأوليات والأهداف التى يجب الوصول إليها وأن يتم إنجازها مثلا فى خلال عشر سنوات ويكون على رأس الاجنده تطوير التعليم والتركيز على زياده الأبحاث العلميه وتفعيل نتائجها على أرض الواقع ورصد لها ميزانية كبيره تلبى إحتياجات الباحثين ،وإرسال بعثات للخارج فى شتى المجالات لاكتساب الخبره من النماذج الغربيه الناجحه وتطبيقها ، إصلاح التعليم الفنى وتأهيل الدارسين فيه لسوق العمل من خلال ربط المناهج باحتياجات السوق فيخرج الطالب جاهز للبدء فى العمل والإنتاج وهذا قطاع مهم جدا فى الدولة سيساهم فى تطوير الصناعه بالإعتماد على الكفاءات المحليه دون الحاجه لخبراء من دول الغرب ، فحين توضع خطه وفق جدول زمنى معين فى تحقيق النتائج سيكون حافز كبير جداً وشحذ طاقات الجماهير للعمل الجاد المتواصل للنهوض بالدوله من قاع الأزمات إلى منافسه الكبار ،إضافه إلى وجود نظام محاسبى قائم على الثواب والعقاب للقضاء على بؤر الفساد والضرب من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بمقدرات البلد للوصول للنهضة الشاملة.
وقبل كل هذا يجب بناء الإنسان نفسه لأنه القيمه الأولى فى نجاح أى مشروع إقتصادى من خلال تعبئته بالطاقة الإجتماعيه والأخلاقيه فى مشروع تحركه إداره حضارية
وكما قال الدكتور مصطفى محمود رحمه الله ” مصر ستنمو وتزدهر وتتسارع فيها معدلات التنميه وتضاعف الإنتاج وتزداد مداخيل السياحه وكشوف البترول والغاز الطبيعى ، مصر مفتوحة على العالم إنها سنغافورة أفريقيا إذا وجدت الظروف الأحسن .