د. بهاء حفني الشافعي
قال سيدي رسول الله: “لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال: لا نصلي حتى نأتيهم، وقال بعضهم: بل نصلّي لم يُرد منا ذلك فذُكر ذلك للنبي (صلى الله عليه وسلم)، فلم يعنِّف واحداً منهم)”، متفق عليه واللفظ للبخاري.
ـ قال السهيلي وغيره في هذا الحديث: من الفقه أنه لا يعاب على من أخذ بظاهر حديث أو آية ولا على من استنبط من النص معنى يخصصه، وفيه أن كل مختلفين في الفروع من المجتهدين مصيب، قال السهيلي: ولا يستحيل أن يكون الشيء صوابا في حق إنسان وخطأ في حق غيره، وإنما المحال أن يحكم في النازلة بحكمين متضادين في حق شخص واحد، قال: والأصل في ذلك أن الحظر والإباحة صفات أحكام لا أعيان، قال: فكل مجتهد وافق اجتهاده وجها من التأويل فهو مصيب، انتهى.
والمشهور أن الجمهور ذهبوا إلى أن المصيب في القطعيات واحد وخالف الجاحظ والعنبري، وأما ما لا قطع فيه فقال الجمهور أيضا: المصيب واحد، وقد ذكر ذلك الشافعي وقرره ونقل عن الأشعري أن كل مجتهد مصيب وأن حكم الله تابع لظن المجتهد، وقال بعض الحنفية وبعض الشافعية: هو مصيب باجتهاده وإن لم يصب ما في نفس الأمر فهو مخطئ وله أجر واحد). (فتح الباري ج7/ص)409.
ـ مما سبق أقول:
ما نراه الآن على الساحة من اختلافات في الفروع وجعلها أصلًا للولاء والبراء أو الصواب الأوحد لما أذهب إليه شيئًا ينبهنا جميعًا لخطر المدارس العقدية أو الفقهية المعاصرة التي لم تعلم طلابها أخلاق الاختلاف وما كان عليه سلفنا الصالح في هذا الصدد.
ـ إياك أن تعتقد أنك صاحب الفهم الأوحد وأن رأيك ـ باعتبار أن لك نظرًا من الأساس ـ هو الفصل في هذه المسألة، وأن غيرك لا فقه عندهم ولا فهم.
ـ الهجوم على الفقه المذهبي الآن ورمي أهله بالعصبية ضرب من العته؛ لأن فهمك للدليل يا مسكين ليس كفهم الأئمة الأعلام المجتهدين، هذا إن كان لك فهم من الأساس.