د. هالة الجبالي
المعاق بشكل عام هو الشخص الذي لا يستطيع القيام بعمل ما إلا بمساعدة الغير حتى تسهل ظروف حياته لتأدية وظائفه بشكل مستقل،ومنه وحسب هذا التعريف أو هذا التصنيف فإن كل البشرية على سطح الكرة الأرضية معاقة بشكل أو آخر،لأن كل فرد أيا كان بحاجة إلى مساعدة في أي مجال من المجالات لكي يقوم بواجبه خير قيام،فكلنا معاقون وكلنا من ذوي الإحتياجات الخاصة.
المعاق هو إنسان مبتلى بما أعاقه عن بلوغ ما يبلغه الأصحاء،إلا أن المعاق هو ليس فقط الذي يستعمل الكرسي المتحرك وبحاجة إلى طريق خاصة به أو الأعمى الذي بحاجة إلى عصا وحافة عالية لكي يحس بأنه في شارع آمن أو الأصم الذي بحاجة إلى سماعة خاصة به وغيرهم الكثير،وإنما الذي لا يرى في المعاق بشرا يستحق كل العناية وتوفير الظروف الملائمة له ليعيش حياة شبه إستقلالية،يعتبر أيضا معاقا بهذا التفكير والعقلية الناقصة،وذلك لأنه لا يعرف ما يخبئ له الزمن،فربما يصبح ذا إعاقة شديدة أشد من الإعاقات التي رآها في حياته.
كانوا فيما مضى وحتى حوالي منتصف القرن الماضي يسمون الأشخاص المعاقين (المقعدون) ثم أطلقوا عليهم كلمة (ذوي العاهات)،على إعتبار أن كلمة الإقعاد توحي بإقتصار تلك الطائفة على مبتوري الأطراف أو المصابين بالشلل وأما العاهة فهي أكثر شمولا في مدلول الإصابات المستديمة،ثم تطور هذا التعبير عنهم إلى إصطلاح (العاجزون)،أي كل من به صفة تجعله عاجزا في أي جانب من جوانب الحياة،سواء من حيث العجز عن العمل أو الكسب أو العجز عن ممارسة شؤون حياته الشخصية مثل المشي وتناول الطعام وإرتداء الملابس والإستحمام والنوم أو العجز عن التعامل مع الغير أو العجز عن التعلم … إلخ.
ولكن لما تطورت النظرة إلى هذه الفئة على أنهم ليسوا عاجزين وأن المجتمع هو الذي عجز عن إستيعابهم أو عن تقبلهم أو عن الإستفادة مما قد يكون لديهم من مميزات أو مواهب أو صفات أو قدرات يمكن تنميتها وتدريبها،بحيث يتكيفون مع المجتمع رغم ما يعوقهم بل وربما يفوقون غيرهم ممن نطلق عليهم تجاوزا كلمة (الأسوياء)،أي عندما أدرك المجتمع أنه هو الذي يحوي تلك العوائق التي تمنعهم من التكيف معه،عندئذ أصبحت المراجع العلمية والهيئات المتخصصة تسميهم (المعاقون أو المعوقون) بمعنى وجود عائق يعوقهم عن التكيف،كما لو كانت سيارة تسير في طريق ممهدة ثم إعترضتها صخرة أو حاجز أو حفرة أعاقت مواصلة سيرها،فأصبحت بسبب هذا العائق معاقة عن الوصول إلى ما كانت تستهدفها وأصبحت محتاجة إلى معاونة من الآخرين قادرين على إزالة هذا العائق وإصلاحها إذا كانت محتاجة إلى إصلاح (أي تأهيلها لمواصلة المشوار)،وبهذا المفهوم أصبحت كلمة (معوق) لا تقتصر على المعوقين عن العمل والكسب وإنما أيضا تشمل المعوقين عن التكيف نفسيا وإجتماعيا مع البيئة،إما بسبب إصابتهم بعاهات أو إنحرافات سلوكية وإما بسبب ما تفرضه عليهم البيئة من تطورات أو مفاجآت لم تكن في حسابهم.
والآن يتطلع كل من علماء الإجتماع وعلماء الطب وعلماء النفس إلى إبتكار إصطلاح آخر جديد يطلقونه على هذه الطائفة بدلا من كلمة (المعوقين)،وذلك بعد أن تبين لهم ضآلة الفارق بين (المعوقين) وبين الآخرين الذين نطلق عليهم كلمة (أسوياء) لأن كل إنسان من الطائفتين لا بد أن يكون لديه نواحي نقص ونواحي إمتياز،ومجموع هذه النقائض والإمتيازات في شخصية الفرد تجعله قابلا للتكيف مع المجتمع الذي يعيش فيه،وذلك إذ أمكن توجيهه بصورة تحقق التوافق بين صفاته (إمكانياته) وبين صفات (إمكانيات) هذا المجتمع لدرجة أن (الأسوياء) في عرف مجتمع ما ربما يكونون (معوقون) في مجتمع آخر إذا هاجر إليه.
وقد توجهت أنظار العالم في السنوات الأخيرة إلى ضرورة العناية والإهتمام بالمعاقين وذوي الإحتياجات الخاصة،وذلك بعد أن أكدت البحوث والدراسات التي أجريت عليهم أنهم يتمتعون بقدرات وإمكانيات وإستعدادات من غير الجانب الذي إبتلي فيه،لا تقل بأية حال من الأحوال عن الإنسان العادي،ولذلك أنشئت لهم المدارس والمعاهد الخاصة بهم والتي تُعنى بهذه النوعية من البشر وتساعدهم على حسن إستثمار ما لديهم من هذه الإمكانيات والإستعدادات والقدرات بما يؤهلهم لممارسة حياتهم بصورة طبيعية كغيرهم من العاديين،لأن الإعاقة مهما كانت لا توقف عجلة الحياة ولا تنهي العطاء،وتبقى المعاني الشامخة تسعى إلى بلوغها العزائم والإرادات التي لا تصيبها الإعاقات.