تأخرت كثيرا أن أكتب عن مريم , مريم ليست البنت المتفوقة التي تحدت كل الظروف الإقتصادية التي يعيشها علي الأقل ثلاثون بالمائة من الشعب المصري وفقط .
مريم أثبتت أشياء كثيرة جدا يجب أن تؤخذ في الحسبان . أثبتت أن التعليم بمدارس الحكومة ليس في مرتبة تحت الصفر كما يقولون . أثبتت أنه برغم إنهيار التعليم في مصر , من الممكن أن ينجح التلميذ ويتفوق , فهي حصلت علي أعلي الدرجات علي مستوي الجمهورية بالرغم أنها لم تأخذ درس خصوصي .
مريم أثبتت إن الإنسان إرادة , فهي لم تتفوق علي الظروف المالية فقط , ولم تتغلب علي حياة الفقر التي تعيشها وفقط .
مريم تغلبت علي مستوي المعيشة نفسه , مريم لم تذاكر في التكييف , ولم تقدم لها أمها كل بضعة من الوقت كوب عصير , لم يقدم لها والدها الفواكه , واللحوم والأكل الذي يحتوي علي البروتينات والكربوهيدرات , كانت تأكل مثلها مثل كل أفراد أسرتها , لم تجلس علي المكتب وتتكيء علي المقعد الوثير وهي تذاكر . ليس لديها خادمة تقدم لها ما تشاء , لم تذهب مريم لرحلة مصيف قبل بدء الدراسة لتستقبل العام الدراسي بنشاط وذهن خال .
مريم قدوة لكل شاب وفتاة , في أن يفعل مثلما فعلت دون تحجج بالظروف – ودون كذب وإدعاء أن الإمتحان يأتي من خارج المنهج ومن خارج الكتاب المدرسي – مريم ليس لديها نت لتحصل علي الإجابات من شومينج كما كان يسعي غيرها للتسلق والصعود علي الغير .
مريم قالت لكل مصر ولكل العالم نحن هنا – نحن الطبقة الفقيرة يخرج منا الأكفأ والأفضل , فلا تستخسروا فينا . ومن حقنا أن نعيش مثلنا مثل أي فرد من المجتمع .
مريم تقول للدولة كلها لنا حقوق عليك , لنا حق في العيش الكريم , والمستوي اللائق , لكي نستطيع أن نفيد البلد أكثر , ربما يوجد أكثر من مريم في كل مصر ويعيشون تحت خط الفقر , وربما يمنعهم الفقر نفسه من مواصلة التعليم , ويمنعهم الإحتياج من الذهاب إلي المدرسة , والإكتفاء ببعض التعليم ثم الإنخراط في الحياة العملية لمساعدة الأم الأرملة أو المطلقة في الإنفاق علي باقي الأسرة .
سيادة الرئيس لفتة جميلة منك أن تهتم بمريم وغير مريم من المواطنين المصريين وإن كان ذلك حق لهم , وواجب عليك مفروض بإختيارهم لك رئيسا .
ولكننا نريد إستصدار قوانين لتحمي النساء المعيلات من أن تمنع أبن لها من الذهاب للمدرسة لكي يساعدها في الإنفاق علي الأسرة , نريد قوانين إهتمام وليست قوانين عقاب .
نريد رفع مستوي المعيشة لهؤلاء الناس الذين لا يستطيعون الحصول علي أبسط الحقوق في الحياة , وينعدم حقهم في الحصول علي الرفاهية .
للأسف كل من تحدث عن مريم تحدث عن مهنة والدها , وبالرغم أنه يوجد ملايين المواطنين بنفس المستوي المعيشي والمستوي الإجتماعي . لا يهم نوع العمل , ما يهم هل العمل نفسه شريف ولا غير شريف .
مريم ليست فتاة مصرية تغلبت علي الصعاب , مريم هي رمز لكل جميل وقوي ومثابر ومكافح ودؤؤب . مريم هي الوردة التي تنبت وتخرج للحياة من خلال الصخر , فتنمو وتكبر وتزدهر .
تحية لكل مريم في مصر والوطن العربي , وتحية لكل أم مثل أم مريم , وكل أب مثل أبي مريم . ربنا يوفقك دوما يا مريم , لأنك فعلا أسعدتي ملايين .
بقلم / كواعب أحمد البراهمي