بقلم الأستاذ/ عصام علي
اعتقاد النقد – وأنا معه – الذى لا يتطرق إليه شك أن الكاتب لابد وأن يكون مرآة مجتمعه ، وكل ما يحيط به ، ينقل إليهم صورتهم الحقيقية ؛ ليريهم أنفسهم بدون مجامله أو كذب . يريهم الخطأ وفي نفس الوقت يدلهم علي صوابه ، عمله مزدوج لكنه لغاية واحدة اسمها ” النفع ”
تحدثت من قبل عن محنة المعيدين والمدرسين المساعدين ولن أقول : بجامعة الأزهر وحسب ، بل كل الجامعات المصرية . في يقيني أن المقال يتضمن العيب واصلاحه ؛ لكني وأثناء تفتيشي عن الجرح وجدته غائرا متسعا ، لا يمكن أن يندمل بمجرد العثور عليه ؛ لذاك لزم أن يكون توصيف الجرح له وقفة ، وبعدها للعلاج وقفة أخرى ، ونفس آخر ؛ حتي لا نبخس الداء في توصيفه ، ولا العلاج في تقنينه ، فكان النتاج تبعا لذلك أن أتى الداء في مقال قائم برأسه ، والعلاج ينافسه فى الاستقلالية وهو قادم .
لكني وأثناء تقنين العلاج رأيت ثمة داء يحتاج لمعالجة فورية ؛ حتي ينجح العلاج الأكبر . إنه الأستاذ الجامعي وأنماطه في طريق الفشل .
للأستاذ الجامعي طريق نحو الفشل ، لا يمكن لغيره أن يشاركه إياه . يمكنك أن تتخيل الفشل بطرق إبداعية لكل طريق صاحبه ، صك عليه اسمه وأودعه برقم إيداع لا يمكن – أبدا – أن يتكرر ، أسمعك تطرب لكلامى مستدركا : يمكنه أن يسجله تحت براءة فشل ! نعم صدقت ، هم مبدعون يا سيدى فى الفشل ولهم فيه أنماط تختلف ، بيد مقدمات تجمعهم جميعا في سلة واحدة :
– جميعهم يتأخر عن موعد محاضرته .
– جميعهم وجه بأفواه دون أذان .
– جميعهم لا يرى محدثه .
ومع هذه المشتركات إلا أن لكل واحد منهم نمطيه ، تختلف عن أخيه فى الفشل ، وسأذكر لك هذه الأنماط بناء على تجربة معاشة بين أروقة أغلب جامعات مصر ، من جنوبها إلى شمالها :
هناك نمطية من الأساتذة يزن الحرف بميزان الاختصار ، لا يعرف في حياته إلا الإيجاز ، حتى في محاضراته يأتيك ليعطيك مئة صفحة أو يزيد في خمس دقائق ، يثرثر بصوت صاخب كاره لنفسه والحياة . كل ما يقوله : أريدك أن تلخص هذه الصفحات فيما لا يزيد عن عشرة أسطر . فبربكم حدثوا هذا الرجل بدلا مني ؛ فلقد أصابنى تخلف عقله مرارا وتكرارا ، سلبني حقى فى أكثر المواد التي أحبها ، والسبب أسلوبي الذي لا يناسب ذائقته – على حد قوله – أردت التاكد من هذا الأمر فاشتركت في مسابقة الإبداع الأدبي التي أقامتها الكلية ، ولم يكن يعنيني المشاركة في مثل هذه الأنشطة ، ولسوء حظه كان فيها المحكم الوحيد ، كنت فاقدا الأمل لأن أسلوبى لا يروقه ، وبعدها أجد نفسي الحائز علي المركز الأول في المسابقة ، فبربكم كيف يستقيم هذا الأمر إن كان له استقامة ؟!!
نمطية أخرى من الأساتذة – عدمناهم في جامعاتنا ولا أراهم الله – تعالي- لطلابنا – لوثوا التعليم ، وأصابوه بسرطان الموت ، يقزم أمامك المادة العلمية حتي تغدو في قلبك وعقلك لا شيء لدرجة أنك تأبى القراءة عنها خارجيا ؛ لارتباطها به ، صدقونى مثل هذا الأستاذ يجعل الطالب دافنا رأسه بين رجليه منتظرا الشيخوخة فلم يعد لشباب العلم في قلبه مكانا .
نمطية أخرى من الأساتذة تعيدك إلى عهد القراءية ، يحولون المحاضرة بشللهم الثلاثى الأبعاد إلى معرض لوحات صوتية لنطق الكلمات ، فإذا جاء موضع بيت شعرى تراه من عليه يقفز ك ” …..” يقرأ ، ويقرأ ، يمطط صوته وينعمه ، ظنا منه أنه يقود أوركسترا الكلمات ، ونوتته أكثر الكارهين له ولصوته.
يحيا ويموت أمثال هؤلاء وهم على هذه الحال من الجدب والفقر العلمي الذي لا جنين من ورائه .
نمطية أخرى من الأساتذة ما أشبهم بالكلاب المسعورة ، كل هدفهم فى الحياة جمع المال من دماء الطلاب ، الرسالة الوحيدة التي يؤمن بها ويقدسها هي رسالة المال ، لا يتوارى خجلا هذا المسعور من أن يطلب من طلابه حجز الكتب حتي ينعم الجميع بالنجاح ! ما أشبهه ببخلاء اليهود !
نمطية أخرى للأستاذ الجامعي يظهر فيها بضمير ضال ، امتلأ سودا وحمقا ، فهو مراهق – وسامحني حين كنت الآن رحيما في وصفي له بالمراهق – ينظر للفتيات بشهوانية ، ويستغل الباحثات فريسات لينال منهن ما يريد تحت قانون الابتزاز ..
نمطية أخرى للأستاذ الجامعى تتمثل فى السطحية والتفاهة ، لا تخرج من وراء محاضرته بطائل يعكر مزاجك بدمامة مزاجه الكاذب الذي يصطنعه من أجل أن يذهب بوقت المحاضرة .
هناك أنماط عديدة للأستاذ الجامعى الفاشل سلبت من أرواح أبنائنا فكرة القدوة ، والمثل الأعلى الذي يتيح لهم التشبه به ، والسير علي دربه ؛ فلا أفكار لديهم ، ولا جديد يمكنهم الاقتراب منه ، من يأتى بالجديد من قبل طلابهم هو فى نظرهم : بأفكار هدامة ، تلغي التراث ، وتدعو للفكر الغربى المنبت ، يقولون ذلك في كلمات فضفاضة ، لا يدركون كنهها ، ولا يضعون وزنا لأبعادها ؛ فلقد صدأت قلوبهم وعقولهم ، توقفت قلوبهم عن الشعور يوم أن تخلوا عن القراءة بعد آخر ترقية حصلوا عليها في زمن قديم كانت الأمية فيه سائد ة غالبة ، يريدون من طالبهم أن يكون صورة من تخلفهم ، ضميرهم الصخرى يأبى إلا أن يمد قسوته على الزهور المتفتحة ؛ ليدحسها حتي ينصرف الجميع عنها كما انصرفوا عنهم .
وحدث ولا حرج عن هؤلاء الأساتذة وتسلطهم مع طلاب الدراسات العليا ، فلا أدري من أي ضمان جودة حصل هؤلاء على تلك السلطة التي يمارسونها ، يلزمونهم بما لا مبدأ فيه ، بل إني مستغفر الله حين أقول ذلك ، فلهم مبدأ في إلزامهم ، إنه مبدأ الجهل والعناد والغطرسة وحب الذات ، والغريب فى الأمر أنهم يظنون كل الظن بل يعتقدون كل الاعتقاد أنهم الصواب ، وأنهم بذلك يعدون الطالب ليكون باحثا مجيدا في المستقبل يفخر بأنه تلميذ لهم
أي عنت هذا ؟! وأي نتانه تلك التي تشع من نفوس هؤلاء ؟!
يا أخي الأستاذ الجامعي الكبير ما خلق الله عقلك من ماس لامع وخلق عقول طلابك من حديد صدأ ؛ فالعلم والفهم قسمة الخالق في عباده ، وهبها لمن شاء ، ونزعها عمن شاء ، وله – سبحانه- في ذلك حكمة ويقين ؛ فانزع عنك سطوتك قبل أن ينزعها الله منك ، واترك النشء يفكر ، يمارس العلم بالعقل الذي منحه الله لا الذي تريده أنت !
كن مطرا يلقى على الأرض فينبت منه ما يوافق الأرض ومناخها لا ما يوافق المطر وميوله ! تأكد أن طالبك هذا سيصير يوما أستاذا مثلك ، وستكون أنت المسئول أمام الله – تعالى – عن قتله ؛ لأنه لن يكون إلا أكثر ظلما وجهلا منك ، وستحاسب على كل جرم اقترفه في حق طلابه ؛ فأنت الزارع !!
اقترب من طلابك مستمعا ، حاورهم بالتي هي أحسن ، امض معهم فيما يرون – حتى وإن كانوا على خطأ – وبعدها اتركهم يكتشفون الصواب بأنفسهم وأنت معززهم ، عزز قلوبهم بأكبر ما يكون التعزيز ، شاركهم أمورهم الشخصية – إن طلبوا ذلك منك – كن لهم أبا ، ووثيقتك في ذلك هي العلم!
احتس معهم قهوة الود ، وحاذر أن تدلهم على الطريق المعبد ، بل اجعلهم يمضون الطريق بأشواكه ؛ فالأشواك في طريق البحث مصل المناعة الذي سيجعلهم فيما بعد يتقنون أنواع الورود !!
كن كمثل البعض الذين فاقوا في تعاملهم الإنساني كل خيال يمكن لكاتب فقير مثلي أن يبلغه في وصفهم ..
———–
عصام علي