د. محمد مأمون ليلة
نستطيع أن نحصر قواعد التعامل مع التصوف وأهله في عدة نقاط:
1- إذا كان التصوف يعني تزكية النفس، والالتزام بالأخلاق السامية كالتقوى، والزهد، والتوكل، والرضا، والخوف، والذكر، والدعاء، والمجاهدة فما أجمله!
قال الجنيد لما سئل عن التصوف:” أخلاق كريمة ظهرت في زمان كريم من رجل كريم مع قوم كرام”، وقال الدكتور عبد الحليم محمود في كتابه “قضية التصوف:”التصوف لا يعدو أن يكون جهادا عنيفا ضد الرغبات ليصل الإنسان إلى السمو أو إلى الكمال الروحي ليكون عارفا بالله” .
وإن كان صفاء وفكرا وزهدا فما أروعه!
قال سهل بن عبد الله التستري: “الصوفي من صفا عن الكدر، وامتلأ من الفكر، وانقطع إلى الله تعالى من البشر، واستوى عنده الذهب والمدر”، وقال غيره:” الصوفي من صفت لله معاملته..”.
وإن كان اتصالا بالحق سبحانه ومراقبته فما أعظمه!
يقول أبو بكر الشبلي:” الصوفي منقطع عن الخلق متصل بالحق”.
وليُعلم أن بين قلب الصوفي المتحقق والسماء حبالا ممدودة، وأوردة منصوبة، تمنع من التقائهما عوائق النفوس، ونزغات الصدور، والقلب الحي يراها ببصيرته، ويقاوم الوساوس المانعة بكل قوته، فإذا استطاع التغلب عليها خرج إلى عالم جديد، ورأى من مكانه عظائم وأسرارا، وعجائب وأحوالا.
وإن كان خلوة وعزلة مؤقتة لا يضيع فيها حقا، ولا يهمل فيها فرضا فلا بأس أيضا، وإن كان مجاهدة ورياضة دون غلو مفرط فقد قَامَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ: «أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا»، وكل صالح يحنو إلى خلوة ويرق، ويهوى الهدوء ويحب؛ لأن أرواحا تشتاق إلى حضرته، وتتلذذ برؤية عبرته، وتهوى إلى سماع مناجاته، وتسعد بتحميداته وأذكاره، وعلامتها الانشراح والسرور، والأمان والشعور بالقبول.
وإن كان امتثالا للأمر، واجتنابا للنهي فهذا أمر لا يُنكر، قال الشيخ أحمد التجاني:” اعلم أن التصوف هو امتثال الأمر واجتناب النهي في الظاهر والباطن من حيث يرضى لأمن حيث ترضى”.