د: محمد مأمون ليله
بعيدا عن تعريف التصوف واختلاف الناس فيه، واشتقاق هذه الكلمة من جمودها، يبقى التصوف في الأصل وجهة نظر تخص صاحبها، فهي تجربته الشخصية في حياته الروحية، ترتبط هذه النظرة بكل ما حوله من عوالم ومخلوقات، وقبلها باتصال قلبه بالرحيم الرحمن، مع حظ من العلم يختلف فيه مع غيره، وفهم يُعطاه يتميز فيه عمن حوله، وتردد بين المقامات والأحوال، بإفناء ذاته في طاعة الله تعالى، وإشغال جسمه في التوصل إلى محبته، والترفع عن مراعاة غيره، وتطهير القلب عما سوى خدمته، وكثرة ذكره ومراعاة أوامره، حينها يُلقي في قلبه شيئ يستقبل أنوار رحمته، وفيوضات عظمته، قال المناوي في “فيض القدير” :” دقائق علوم الصوفية منح إلهية ومواهب اختصاصية. ”
ثم بعدُ يحاول الصوفي المتحقق نشر تجربته وعلمه للناس من باب الإفادة والتعليم، فكان الشيخ والمريد، وأُخذتْ على علومه الخاصة العهود، وانتشرت الطرق بانتشار شيوخها.
وقد بدأ التصوف بداية بسيطة عملية، حيث إنه ذوق قبل أن يكون علما، وتخلق بأخلاق الشرع، وتفكر وتدبر للحياة بالعقل، واشتغال باستكشاف أسرار الله في خلقه، وجمع النفس على ذكره، ثم كان أن التزم أهله بأوراد وأذكار، وطرأت عليهم الأحوال، وسلكوا طرق تربية النفوس، وخاضوا غمار أسرارها، ثم وقعت لبعضهم شطحات، وفُهم من كلام بعضهم الحلول والاتحاد، أو رفع التكليف فلم يصبح كغيره من االناس، ثم دخلت بعض الأفكار الفلسفية عليه، حتى صعب فهم كلام المتكلمين فيه، وأصبح إلى التنظير أقرب، وتطور الأمر فدخل فيه من ليس من أهله، وتسلط على بعض شأنه في بعض الأزمنة قوم يحبون الظهور، ومن هنا تسربت الخرافات، والدجل والشعوذة، وكان التصوف حالا؛ فأصبح تكسبا واشتهارا.