ضمن فاعليات النشاط الصيفي لمكتبة الإسكندرية , تم عرض مسرحية “ليل داخلي” والتي كتبها المؤلف الكاتب مصطفى سليمان وأخرجها سامح الحضري وقام فيها بدور البطل القرد كوكو الممثل غالم المصري. تدور أحداث هذه المسرحية – التي تعد الأولى من نوعها كعمل مسرحي سكندري- حول قرد – من فصيلة البوبو والتي تتشابه وراثيا مع الإنسان من حيث البنية التشريحية بنسبة 98 % – ذلك القرد تم إصتياده من قبل صياد الحيوانات وقام ببيعه لسيدة أعمال تبحث عن الشهرة والمجد. وذهبت سيدة الأعمال بالقرد إلى أحد الباحثين في علم الحيوان والذي أراد أن يصبح مشهورا من خلال أبحاثه التي تنافي الضمير الإنساني ولا يبحث إلا عن مصلحته الخاصة.
وبالفعل قام الباحث بعمل التجارب اللازمة على القرد “كوكو” كما أطلقوا عليه وبدأ في تدريبه بكل قسوه وعنف لكي يحولوه من مجرد حيوان ينتمي لعالم الحيوان إلى إنسان متحضر ينتمي لعالم الإنسان كما خال لهم.
ولكن بعدما أصبح كوكو أشهر قرد يحاكي الإنسان ويتكلم ويفعل كما يفعل البشر وأصبح يعمل في مطعم سيدة الأعمال بل وأرتقى إلى أن أمتلك ذلك المطعم ولكنه في حقيقة الأمر قرد مشوه وجريح وإنسان غير مكتمل كالبشر , في ذلك الوقت أحس كوكو بالضياع الشديد ووجده نفسه لا ينتمي إلى عالم الحيوان ولا إلى عالم الأنسان!
فالحيوانات تخاف منه ولا تعتبره ينتمي إلى فصيلتهم لإختلافه عنهم , وكذلك البشر يخافون منه ويتعبرونه مسخ ولا ينتمي إلى عالم البشر نظرا إلى شكله وحركته التي مازلت تشبه القرد!
وعند هذه اللحظة جمع كوكو من تسببوا له في هذا التشوه النفسي من خلال دعوتهم على العشاء في مطعمه وأخذ يحاسبهم ويذكرهم بما فعلوه به من تعذيب وقسوة وأخذ يلوم عليهم لما هو فيه الآن من وحده وإحساس بالتشوه والتمزق , ولكنهم منو عليه واعتبره يفتري عليهم بالباطل وحجتهم أنهم صنعوا منه إنسان متحضر يعمل ويأكل ويشرب وينتمي إلى عالم الإنسان الذي هو بالطبع أفضل آلاف المرات من عالم الحيوانات الهمجي المتوحش !
وهنا يكمن السؤال ؛ هل فعلا عالم الإنسان أفضل من عالم الحيوان باعتباره عالم متحضر وخالي من الهمجية والتوحش؟ وإذا كان فعلا عالم الإنسان أفضل من عالم الحيوان فما هو تفسير ما نراه الآن من جرائم قتل وعنف وإغتصاب وسب وقذف وقسوة غير مبررة؟ – طبعا الكثير منا يرى هذه المشاهد يوميا في عالم الإنسان وليس عالم الحيوان!
في الختام – من وجه نظري المتواضعه – لا يوجد عالم أفضل من عالم ولكن كل كائن حي عالم خالص به ، وكل كائن حي خُلق بمعايير ومقادير محددة لتتناسب مع عالمه كما أنها تناسبه جدا لكي يتكيف ويعيش في عالمه الذي خُلق من أجله , وهذه هي حكمة الله عز وجل.
هكذا لابد أن ننظر نحن البشر إلى عالمنا الذي نعيش فيه ؛ الذي يطلق عليه عالم الإنسان لما يحتويه من إنسانية ومُثُل وخلق عليا في التعامل والأدب ؛ يجب على الإنسان أن ينظر إلى عالم الإنسان بإنسانية حتى يتمكن البشر ذو الفطرة النقية الطيبة من العيش في هذا العالم الموحش الذي أصبح لا يختلف كثيرا عن عالم الحيوان الذي يتسم بالهمجية والتوحش كما يظن البعض من البشر!