أحمد فايز
أحنّ إليكِ أُمي إذا جنّ الليل وشاركني فيكي صبحٌ جميل، أحنّ إليكِ أُمي صباحاً ومساءً وفي كل حين، إليكِ أميل أُصَّبِر نفسي، أُمتّع طرفي بنظرةٍ على وجهك، أَطيل وأهفو لاقياك في كلّ حين، ومهما أقول وأكتب فيكِ قليل، على راحتي كم سهرتِ ليالٍ، وأوجعني قلبك عند الرّحيل، وفيض المشاعر منكِ تفيض كما فاض دوماً علينا سهيل، جمعت الشّمائل يا أمّي أنتِ، وحزتِ كمالاً علينا فضيلة، إذا ما اعترتني خُطوبٌ عظامٌ عليها حنانكِ عندي السبيل، وحزنّي إذا سادَ ني لحظةً عليهِ من الحبِّ منكِ أُهيلُ، إذا ما افتقدتُ أبي برهةً غدوتِ لعمريَ أنتِ المعيلُ، بفضلكِ أمي تزولُ الصّعابُ ودعواكِ أمّي لقلبي سيلُ، حنانكِ أمّي شفاءُ جروحي وبلسمُ عمري وظلّي الظّليلُ، لَعَمرٌكِ أمّي أنتِ الدّليلُ، إلى حضنِ أمّي دواماً أحنُّ، لعمركِ أمّي أنتِ الدّليلُ، وأرنو إليك إذا حلّ خطبٌ وأضنى الكواهِلَ حملٌ، قيل لأمّي أحنُّ ومن مثل أمّي رضاها عليَّ نسيمٌ عليل، فيا أمّي أنتِ ربيعُ الحياةِ، ولونُ الزّهورِ، ونبعٌ يسيلُ، لفضلكِ أمّي تذلُّ الجباهُ خضوعاً لقدركِ عرفٌ أصيلُ، وذكراكِ عطرٌ وحضنكِ دفءٌ فليرحكِ ربّي العليُّ الجليلُ. الموتُ كلمةٌ تُخبرك عن إنسانٍ فارقك إلى غير رجعة أو لقاء في هذه الدار، وأصبح من أخبار الماضي، ولم يبقَ لك منه إلا الذكريات، وإن كان فارقك منذ سويعات، أحِنُّ إليك أُمّي جداً. بعد الفراق أصبح كلّ شيءٍ بطيئاً، أصبحت الدّقائق والسّاعات حارقةً، وأصبحت أكتوي في ثوانيها، أسأل الله أن يرحمك ويغفر لك يا قرّةُ عيني أُمّي. أُمّي استفز اللحظات؛ فتهرب اللحظة، أستدعي الكلمات؛ فتختنق العبرة، يعتصرني الألم وتندثر شجاعتي، ويدمرني اليأس، يطول الانتظار وأقطعه بالاستغفار، ما أشدّ وطأةُ الفُراق، وما أتعس من يعيشَهُ يا أجمل شيء في ذاتي وفي حياتي، يا هوائي الطلق الذي كنت أتنفس منه في داخلي، أناديك وأهيم إليكِ، إحساسي يبحث عنك، وأحلامي تتخيّل صورتك، أنتِ معنى حياتي، خطوط من قلمي أرسم حروفك وقدرك في صدري جاوز كتاباتي، صورتك كل يوم أحتضنها، ومشاعر قلبي أسطرها، ظلام البعد يظلّلني، أصبحت كالغريقة تغرق في بحر دمعاتها، رحيلك يا أمّي عناء ترك في النفس حسرة وفي القلب لوعة، ما أقسى الحياة بدونك يا أُمّي، أقدام بلون الليل تسحقني، ودموعي أحرقت جفن عيني، دقات قلبي تقول أمّي، لو كان مكاني جبل لتداعى واندثر، أمّي لن أنساك أبد الدهر، لن أنساك يا عطر الياسمين، لن أنساك ياعبق الرياحين، لن أنسى قلبك الكبير، يا حبّاً فقدته أعاهدك وانتِ بين يد الله أن أكون بارّةٌ بكِ، وفيةٌ لك، يا من زرعتي في قلوبنا وقلوب كل المحيطين بكِ الحب بدون تكلفٍ أو تملقٍ، يا من أعطيت بالودِ التراحم بين الناس رحلتِ عنا، وكأنّ القدر يريدني أن أتجرّع مرارةُ الفُراق ووحشةُ البعاد، رحماك يا رب، ينتهي الكلام، وتنتهي الحروف، ويبقى اسمك في دمي، وفي عروقي، وفي لساني، كيف أوفيك حقّك بكلماتي؟ كيف لي أن أرثيك وأنا المحتاجة لمن يرثيني فيك، أحبك يا أُمّاه وأفتقدك. أينَ أَنتِ يا أمّي يا روحاً طاهرةً تهيمُ من حَولي، يا حُضناً دَافئاً كَم شَكَوتُ إليهِ هَمّي، بِفِرَاقِك يا أمّي فَارَقَني الأَمَان، أَحسَستُ بِغُربةٍ في الزمانِ والمكانِ، ذَهَبتِ وذَهَبَ مَعَكِ كُلّ الحنان، أُمّي يا رَوحاً طَاهرةً تَهيمُ مِن حَولِي، يا حُضناً دَافِئاً كَم شَكوتُ إِليهِ هَمّي، أَشعُرُ بِرَوحُكِ العَطِرَه تُظِللني في ذَهَابِي وإِيابي تَتبَعُنِي، فأنتِ يا حَبيبتي دَائِماً مَعِي، لا يَغِيبُ كَلامُك عَن سَمعي، حتّى أنامِلك أَشعُرُ بِها تَمسَحُ دَمعي بِرفقٍ، تَهمِسِين وتَقُولين: لا تَبكي، لا تَبكي، فَأنا كَما قَالَ رَبُ العَالمَينَ مِنَ الأَحيَاءِ عِندَهُ، وفي الجنّةِ أَمشِي، أمّي يا روحاً طاهرةً تَهيمُ من حَولي يا حُضنا دَافِئا، كَم شَكوتُ إليه هَمّي، اشتاق لحضنكِ ولكِ. بكت عيوني آلام الفراق، فردّ قلبي الحزين باحتراق: كيف للقلب أن ينساكِ يا أمّي؟ يا من في الفؤاد سكنتِ، فضرب لي موعداً مع الفراق؛ فكان الحزن الآتي، فقال لي الفراق: ما بال هذا القلب بالحزن قد مات؛ فحاولت أن أتكلّم أو أفسر ذلك الحزن العميق، حاولت تفسير ذاك الشعور المؤلم، حاولت أن أعبّر للفراق عن ألمٍ اجتاح الفؤاد ولكن ما استطعت؛ فجاءتني حروف الفراق من القلب أقولها، ومن الروح أرسلها، ومن الألم سطرتها، لامتني نفسي لفراقكِ، ولامتني عيوني لرحيلكِ، ولامني القلب الحزين لغيابكِ، فارقتكِ وقلبي أسيركِ، فارقتكِ وعيوني تبكيكِ، فارقتكِ ولم تنسى شفتاي اسمك، قلبي الحزين سيظلّ يذكركِ، وقلمي المتألّم سيظل أسير ذكراكِ، فاختلط دم القلب بمدادِ القلم ليذكركِ، رميتِ قلبي بسهمٍ من الأحزان؛ فاستقرَ سهمكِ فى صميمِ الوجدان، فبكى القلب على ذكرى من كان