كتب :على الصاوى
لا شك أن الثورات التى مرت بها المنطقه العربية خلفت ورائها كوارث إنسانية وطوام كبرى تشيب لها الرؤوس وتدمع لها العيون ، وما من شعب إلا وقد ناله من تلك الكوارث ما مزق شمله ودمر حياته، لكن النسبة الأكبر من هذا التدمير والضياع كانت من نصيب الشعب السورى الشقيق، الذى ما لبث حتى أصبح شريدا طريدا، لفظه العالم أجمع ولم يقدم له سوى الخيبة والمتاجرة بقضيته .
البداية عندما طلب منا مركز البحث الإجتماعى التركى “ipsos ” إجراء بعض البحوث الإجتماعية عن حياة العائلات السورية ورصد أوضاعهم المعيشية بكل دقة وعمل إستمارة لكل عائله تحمل كافة المعلومات الخاصة بهم ، ومع سعادتى لهذا العمل الذى سيساهم فى حل كثير من مشاكل هذه العائلات على حد زعم المركز لأن الحكومة سوف تتبنى نتائج هذا البحث بشكل جدى كما يقولون لنا ، إلا أنى تفاجأت بقصص مؤلمه يندى لها جبين الإنسانية خجلا وحياءا، تهز الوجدان وتجعل الحليم حيران.
رأيت مالا نراه فى الإعلام الذى يجمل السلبيات ولا يعرض سوى ما يجمل النظام ويجعله فى أبهى صور الإنسانية أمام العالم بأنه حمى السوريين وأواهم من التشرد والضياع، فالصورة التى يتم تصديرها بحرفية ومهنية عالية عن أوضاع السوريين بتركيا مغايرة للحقيقة تماما ،فالحكومة لا تنظر إليهم بعين المسئولية الإنسانية والإحتياج بقدر ما تستخدمهم كورقة ضغط لتحقيق مكاسب سياسيه على حساب أوضاعهم المتردية
فعلى قدر ما استقبلت تركيا أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ وهذا جهد مشكور لهم ، إلا أن ذلك لا يعفيها من مسئولية الإهمال وعدم تحسين أوضاعهم، وحمايتهم من الإستغلال من قبل أصحاب المصانع الذين يرون فيهم عمالة إقتصادية موفرة فيهضمون حقوقهم دون أدنى مسئولية أو محاسبة ، وأيضا هناك الإتفاق المبرم بين تركيا والإتحاد الأروبي الذى يقضى بأن يعطى الإتحاد دعم قدرة ثلاثة مليار دولار لوقف تدفق الهجرة تجاه أوربا، وأن يتم إنفاقها على تحسين أوضاع السوريين من تعليم وصحه ودعم اجتماعى يليق بهم .
بدأت أتجول بين العائلات منصتا إليهم كى أسبر أغوار معيشتهم بكل دقة، يبثون إلى همومهم وينعون وطنهم الذى راح مخلفا ورائه بقايا ذكريات متناثرة، يعيشون على ما تبقى منها لعلها تخفف عنهم ما هم فيه ، لكن يظل الحنين والعودة إليه يسيطر على أذهانهم رافعين شعار ” لكل شيء إذ ضيعته عوض ، وما لضياع من عوض ” فأين دور الحكومات العربية والحكومة التركية تجاه هؤلاء المظلومين فهم يتحملون المسئولية الكاملة أمام الله ، ولعنة خذلانهم سوف تلحق بالجميع والجرح الذى فتحه بشار الأسد بالجسد السورى سيظل ينزف ولن يندمل طالما هناك من لا يريد أن يعالجه ويضمد جراحه ، فالأمه كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى
القضية السورية أصبحت رقماً صعباً فى الحسابات السياسيه وتحولت إلى مأساة تقض المضاجع وتؤرق أصحاب الضمائر الحيه الذين يعلون من القيم الإنسانية على المصالح الرخيصة، وما تعرض له هذا الشعب المظلوم كان كافياً على تعرية الأمه كلها من شعارتها المزيفة التى تتدثر بها وترفعها فى كل محفل دولى، لذلك لابد من إجراءات عاجلة تحقق للسوريين الأمن المفقود منذ 5سنوات، فعار على الأمة العربية أن تترك جزء منها يموت دون أن تتحرك وتقدم له يد العون ، فالجميع تأمر على الشعب السوري تركيا والخليج من جانب ،وروسيا وأمريكا وإيران والغرب من جانب أخر وكل هذا بسبب الخير الذى حفلت به أراضى الشام من ثروات نفطية وتاريخ وحضارة ممتده لآلاف السنين وموقع إستراتيجي حيوي ، فلا يخذل ملوك فى محنة إلا عبيدا فى نعمه .