كثيرة هى الدواوين والقصائد التى سطرتها يد الشعراء لكن قليل منها ما ارتبط بقصة واقعية أومناسبة حفرت سطورها فى ذاكرة المتلقى وهنا فى مقالنا سنميط اللثام عن بعض من تلك القصائد وما داربشأنها من قصص لنتعرف معا عن مولده وخرجها للحياة. ليكن البدء مع أروعها وأعذبها ثورة الشك والتى شدت بها كوكب الشرق مرورا بلا تكذبى والتى تنازعها عبد الحليم ونجاة الصغيرة وصولا إلى عدوية محمد رشدى وانتهاءا بأنا وليلى لكاظم الساهر
** قصيدة ” ثورة الشك ” :
انطلاقا من حديث الناس والذى خلف حالة الشك والظنون التى سادت العلاقة بين الأب وابنه والزوجة التى حاكت الفتنة فكابدها وعايشها الأميرعبد الله الفيصل لتخرج لنا ” ثورة شكه “
إنها أروع ما غنت ام كلثوم بشهادة النقاد ومن قبلهم المتذوقون لفنها إنها. قصيدة “ثورة الشك”، والتى خرجت للجماهيرعام1958، وصاغ جميل لحنها عبقرى الألحان رياض السنباطي، ولم تنل قصيدة من القصائد مثلما نالت “ثورة الشك ” فقد شاعت حكايات وقصص عديدة في الأوساط الفنية والثقافية، حول مناسبة القصيدة تقول إحداها :
” تزوج الأميرالشاعر بزوجته الأولى الأميرة “الجوهرة” والتى أحبها كثيراً حتى وقع بينهما الخلاف الذى نتج عنه زواج أخر للأمير الشاعر فتزوج من الأميرة ” نورة بنت عساف ” فهام الشاعر بها وجدا وأسرت قلبه، ولكنه بحكم عمله كوزير للداخلية الصحة،انشغل عن زوجته الثانية،والتى تصغره في السن. وهنا بدأ البعض فيه الشكوك حول وجود علاقة بين ابنه الأكبر وزوجته فتملكه الشك وصارع قلبه نيران حبين حب فطرى لابنه وحب وجدانى لزوجته فصاغ كل ذلك أبياتا عبر قصيدته “ثورة الشك” والتى قدم فيها خلاصة ما عانى ويعانى
** قصيدة ” لا تكذبي ” :
والتى ترسم ملحمة قاتمة الألوان لعذاب حب من جانب واحد ، تلك القصيدة التى صاغها الشاعر “كامل الشناوي” بعد قصة ورحلة حب طويلة للفنانة نجاة الصغيرة فلم يكن إعجابا بل عشقا حتى الثمالة إنها قصة حب خالدة فى ذاكرة الوسط الفني فقد إدرك الجميع قساوة الحبيبة والتى كانت تتعمد فى كل مناسبة إهمال عاشقها وحبيبها دونما وازع من رأفة أو شفقة .
يروى الكاتب الصحافى الكبير “مصطفى أمين” في كتابه الذى جاء تحت عنوان “شخصيات لا تنسى”: فقال :
“عشت مع الشناوي تجربة حبه الكبيرذلك الحب الذي أبكاه وأضناه حتى أنه حطم قلبه بعد أن أعطاها كل شيء فبادلته بلا شىء! لقد عشقها وصدق فى حبه فخدعته كان الإخلاص عنوانا لقلبه فخانته، توجها ملكة متربعة على قلبه فجعلته أضحوكة”. وحول القصيدة يروى أن شاعرنا كان مدعوا لحفل تحضره معشوقته نجاة فلاحقها بقلبه قبل عينيه أينما توجهت وعلى حين غرة غابت عن ناظريه، بحث عنها بلهفة وشوق فإذا به يجدها مرتمية بأحضان شخص تراقصه إنه دنجوان الصحافة “يوسف إدريس”. غادرعلى الفوركامل الشناوي الحفل إلى شقة صديقه مصطفى أمين وهو بعض إنسان محطم الفؤاد وبدأ بقلمه يخط قصيدة “لا تكذبي”.يقول عنها أمين ” قصيدة لا تكذبي. وهي قصيدة ليس فيها مبالغة أو خيال. فكامل نظمها وهو يبكي، حتى أن عبراته طمست بكلماته وكان كرجل ينزف. بعد صمم على أن يسمعها عبر الهاتف للمطربة نجاة فألقاها عليها وهو يبكي بشدة فقابلت ذلك ببرود غريب قائلا :
“كويسة أوي، تنفع أغنية! ممكن أغنيها؟”. وبالفعل قام موسيقار الأجيال عبد الوهاب بتلحينها وحين علم العندليب عبد الحليم قصة القصيدة قرر أن يغني القصيدة أيضاً.وهنا كانت نجد نجاة الصغيرة ودون أى مبالاة تعيد غناءها برغم أنها صيغت بلسان رجل إلى امرأة،لكنها بدهاء ومكر استطاعت توظيفها بأحداث فيلم صالح سليم “الشموع السوداء” حتى بدا ذلك كأنه إعلان صريح منها بأنها لاتعبأ أو تهتم بحب ولوعة كامل الشناوي فكانت سببا فى عزلته ثم يأسه وقنوطه من الحياة وظل هكذا حتى توفى
** عدوية : البسمة تستحق التخليد
لابد من أن نسجل هنا أنه ليست كل تجارب الشعر مبنية على الأوجاع، وأغنية عدوية مثال على ذلك. أما عن ” عدوية ” فلمن لا يعرفها هي خادمة ريفية صغيرة وجميلة، كانت تخدم في بيت الموسيقار عبد العظيم عبد الحق. وكان عبد الحق صديقاً للشاعر عبد الرحمن الأبنودي.في ليلة، دخلت عليهما الفتاة ” عدوية ” حاملة واجب الضيافة، فى تلك اللحظة انتبه الأبنودي إلى ابتسامة الفتاة الجميلة سألها عن اسمها فقالت : عدوية. استوحى الأبنودي من ابتسامتها وأنشد:
“عدوية أهي ضحكتها نهار”. ثم استرسل في الكتابة حتى انتهى من القصيدة في تلك الجلسة. تطوع عبد العظيم لتلحين الأغنية، وعندما قابل الأبنودي بليغ حمدي للمرة الأولى، وطلب منه بليغ أغنية، ألقى الأبنودي عليه أغنية عدوية، التي نالت إعجاب بليغ جداً فتوسل من أجل تلحينها. وهنا كانت ” صدفة الإبداع ” حين اتصل الأبنودي بعبد الحق، فإذا به يعتذر للأنبودي عن الأغنية، لأنه كلما رأى الفتاة طار منه اللحن. فكانت استجابة السماء لرغبة بليغ فانتقلت الأغنية إليه فرشح محمد رشدي ليشدو بها، لتصبح من أهم الأغنيات وأنجحها حينذاك.
** أنا وليلى: أسطورة الحب المستحيل بين الادعاء والصدق
هى القصيدة التى لحنها وشدا بها ” كاظم الساهروذلك بعد أن قرأ مقاطع منها، مصادفة، في مجلة شبابية شهيرة، تولت نشرت أجزاء منها في صفحة إسهامات شبابية من دون ذكر اسم المؤلف. هنا تفاعل القيصر مع القصيدة وشعر أن وراءها شاعراً كبيراً يستحق أن يُخلد بموهبته المتفردة. ولكن، من يا ترى مؤلف تلك القصيدة؟
بدأت رحلة البحث عن المؤلف الفعلي، فادعى العديد من الشعراء أنها تخصهم، ما أربك كاظم، فلجأ إلى اختبار ليعرف صدقهم من زيفهم بطريقة أكمل القصيدة. وكل من ادعى أن القصيدة تخصه، طلب منه كاظم الساهر فوراً أن يستكمل أبياتها. فشلوا جميعاً، وبقي كاظم 8 سنوات يبحث عن كاتبها، حتى جاءه ذات ليلة شخص قال إنه ابن خالة الشاعر، وإنه شاعر مغربي سافر إلى ليبيا ليعمل مدرساً هناك، ويزيح الغطاء عن قصة حب عظيمة شهدتها جامعة بغداد بين حسن المرواني وزميلته سندس. حتى أنها صارت قصة كالقصص الاسطورية،
فالعاشق من فقراء الزعفرانية والفتاة من أثرياء كركوك. هو لا يملك سوى حبه وأشعاره، بينما هي تطمح إلى المال والجاه. هكذا انتهت قصة الحب التي تندر بها الطلبة حينها،
وكان ناظمها قد كتبها أثناء دراسته الجامعية وإلقاها على محبوبته وزملائه حينها فقدّر لهذا الحب أن يُخلد، بعدما لحن كاظم الساهر القصيدة وغناها عام 1998. ومازال الشعراء من وقتها يدعون ملكيتهم للقصيدة.
ختاما نقول حقا : ” إن من البيان لسحر ” وكما يحتاج الليل لنجوم كذلك يحتاج المجتمع لشعراء