تائه الفكر شارد العينين على مصب نهر بلا روافد. بلا لون مجمد الإحساس. رجلاه لا تقويان على حمل جسد ملتوي الأغصان . كسلال عناقيد عنب الشام في حر قائظ . مخمور والدهان يتطاير من أنفه يداعب شعره الأشعث …يكاد يبتلع تلك السيجارة المريضة المتهدمة الأطراف ،يكاد يبتلع الأرض بما حوت . يمتص رحيق الحسرة والأسى. كسر الزمان أنيابه كما كسر أمانيه . وهدم إطار لوحات أحلامه،تغيرت ملامحه مع الزمن كما ثوب عجوز تلوث بغبار حرب بسوس… لم يبق من جماله إلاَذلك الأنف المنتصب في وسط وجه عبوس . كأنه زاوية قائمة غير قابلة للإنكسار .على أشعة الضوء الرمادي.. تعثر قلمي في الطريق إليه درجا درجا .قبل أن تلتوي قدمي من شدة الإندهاش…! موت يمشي على عكازتين يهرول الخطى إلى دروب مجهولة …تتساقط أغنياته قطرات دم وقصائده التي كانت تهز جدور النخل لتملأ الفيحاء رطبا، أخذ منها الحرب موطنا ولونها بحمرة سلاح ممدود بقدود؛مشدود على أكتاف غادرة خفت موازينها ،تهوى صوت الزناد وأسر النساء والعباد بيتها من رماد… ذلك هو أستاذ “عماد”الذي كان يدرسنا اللغة العربية تقام له الجباه وتهتز…؟! كسرت الحرب ظهرة وأبادت علمه وأدت بناته في بحور ليست للخليل .وإنما لليالي حمراء ، ونبيذ ذليل . لبس من أسموا أنفسهم بالرواد جلابيب الغرب . إغتالوا قصائده،هدموا بيته بطلقات عشوائية لاتخطئ التصويب… إحتسى “عماد” الغربة و الإغتراب وساح في بلاد وجدت للإنسان . فغيرها ذلك لدى الانسان للإستعباد….