شهر من التفكير فقط يا سيدي . والله لن أفكر إلا شهراَ واحداً ثم أعود إليك . وسوف تكون النتيجة مفيدة بالنسبة لك. فما رأيك فيما كُنتُ أقول. وحرك رأس السيد فوق وسادته ليتأكد منه أنائم أو مستيقض . وعندما رأى سيده يرى تأكد من عدم نومه . وفهم من حركات لسانه التي خفت صوتها من شدة المرض .أن سيده غاضب ولا يوافق على غباء فارسه الكبير. لآن الملك كان وكأنه قال للفارس موسى ” تباً لك هل هذه حكمة ، ومن أخبرك بأني سأعيش أيضاً طوال الشهر القادم”
أما إبتسامة موسى الشجاع ، فكانت تعني أنه يحب سيده الملك . ولا يرغب في إعتلاء العرش بدلاً عنه . ولهذا هو يود إضافة شهر إلى عمر عرشه.
الملك الذكي فطن لنفسه قد قال بعض الكلمات . ورغب في إستغلال فرصة عودة لسانه إلى الكلام . وطلب من موسى إحضار الأطباء له فورًا إن أمكن . وما إن فهم موسى رغبة الملك حتى أسرع في طلب الحراس .وأوكل لهم مهمة إستدعاء أربعة أطباء وطبيبة لعلاج الملك.
قال موسى للملك أحمد يا سيدي الملك أحمد .هل تصدق أني رأيت في المنام أني أصبحتُ ملك بدل عنك . وأنك عشت في فراش المرض 26سنة كاملة . بينما كنت أنا ملك يحبك ويحميك بالغالي والنفيس طوال هذه المدة .
الملك:المال يا بـُني لا تلمسه ، والرجال لا تغير معاملتي لهم عندما تحكم . والنساء لا يسمح لك بتبديل “خويرة” بزوجة أخرى . والحرية لا تسلب أحد منها . والرعية لا ترعاها إلا بما طالبت به . ولا تفرض عنها ما رفضته . والحرب لا تخرج لها إلا ضد الأعداء الذين لا يُردون إلا بها . وأبنائي وبناتي وزوجاتي .كن عادلاً معهم حتى يستلم العرش أكبرهم . وتصبح للعائلة المالكة كل ممتلكاتها مرة أخرى . ولا تتردد في تنفيذ هذه الوصية كي تتحقق الروؤية التي رأيتها أنا أيضا . وأقسم بالله أني رأيت ُما رأيتَ أنت بالظبط . ولكن إنتظر إنتظر .. الحمد لله يبدو أن لساني بخير .وقدمايا بخير وذراعيا بخير ..؟!
وأبشر موسى بجلالته وهو يستعيد صحته . وواصل الإستماع إليه .وهو يرفع صوته بشكل تدريجي . ويحرك أطرافه بشكل عادي . بل وقد نزل من السرير وهو يكاد يطير من الفرح . وقال بصوته السليم : بالله عليك ما إسم الشراب الذي شربت. وما إسم الشعر الذي ألقيته على مسامعي. وما إسم الطبيب الذي أتقن صنعه. فقال موسى هو شراب صنعته زوجتك “هندية “وقالت لي سيكون بخير في دقيقة ، وها أنت بخير في دقيقة.
وكانت أيام الملك الشاب قد عادت إلى طبيعتها . بعدما تعرض للسفوط من فوق جواده المُهذب. وقد فر الجواد المُهذب من الإسطبل أيام مرض الملك أحمد . ولم يقبل أبدا أن يُربط في الإسطبل بعدما أسقط سيده وعرض حياته للخطر. وبمجرد ما تماثل الملك للشفاء عاد “المُهذب ” إلى القلعة ودخل إلى الإسطبل بمفرده . وسط تصفيقات الرعية من أحباء وأنصار وجنود الملك المتعودين على رأيت المُهذب يتجول وحده في أرجاء المملكة .
فرح سالم والملك وعائلته بعودة “المُهذب “. أما الأفراح الأخرى فكانت بعودة الملكة “هندية” إلى رشدها . بعدما كانت ستــُجن أثناء مرض زوجها . وقد ضحك أحمد كثيراً عندما علم أن زوجته كانت قد فقدت نصف عقلها، وعالجته بالنصف الأخر . قالت له كنت أرى كل شيء بسهولة كأن الجان كان يروي لي كيف أنجو. أو كأن الله أرسل لي ملك وحي ساعدني على صناعة الدواء الشافي . أو كأني أصبحت مئة ألف طبيبة في جسد واحد. والأن أنا أشعر بسعادة كبيرة .لآن زوجي نجى ، وفي نفس الوقت أشعر بكوني الغبية السابقة . ولا أشعر بمس أو عِلمُ عظمة . بإستناء كوني عظيمة هذه المملكة ، التي سيحكما زوجي الملك مجددا.