بقلم / د- سامية يحياوي/الجزائر
تعتبر “فوزية أحمد الفيلالي” شاعرة وقاصة مغربية معاصرة، إستطاعت بسحر قلمها، وعذوبة كلمتها، وقدرتها الرهيبة على التجريد، أن تلامس قضايا الذات والمجتمع رؤية وتشكيلا، بلغة شعرية غاصت في الواقع وشرّحته برؤية حالمة متطلعة لغد أفضل.
وتعد المجموعة القصصية “دموع البحر” الصادرة عام 2018، عن دار اللوتس، مغامرة إبداعية متميزة، حيث تعد الباكورة الأولى للمبدعة التي إعتادت أن تكتب الشعر، وأنت تقرأ مجموعة “دموع البحر” التي رصفت قصصها الواحدة تلوى الأخرى كحبات لؤلؤ شكلت عقدا ثمينا، يشع غواية وسحرا، تتجلى لك العديد من الدلالات والرؤى التي إلتقطتها مخيلة القاصة من الواقع المعيش، عبرت عنه المبدعة بتقنيات جمالية وبلغة رصينة وفق تمظهرات موضوعاتية متعددة، كما تناولت مجموعة من القيم والمفاهيم عكست مشاهد اجتماعية وتداعيات نفسية لشرائح مختلفة من طبقات المجتمع، تمثلت فيها المبدعة الواقع الشخصي أو الجمعي، ونقلت لنا مشاهد من الواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي بصورة رمزية ابتدعتها مخيلتها من خلال التركيز على نموذج الأنثى، وما تعيشه من تناقضات في مجتمع متحضر حداثي.
وقد جاء البناء السردي للمجموعة القصصية متدرجا في شكل متاهات للقص وثيمات سردية يمكن اختزالها في ثنائية الامتلاك والافتقاد، أو ماهو كائن وما ينبغي له أن يكون.
كان حضور المرأة في هذه اللوحات القصصية حضورا ثريا ودالا وجاء وفق مستويين:المرأة المحافظة و الصابرة /المرأة الجامحة المتحررة؛ حيث انساب الحكي وتدفق الخيال ورسمت لنا الساردة تعايشا سلميا وصراعا صداميا بين الرجل والمرأة، شخصت فيه الواقع المعيش بمادة حكائية مثيرة تروي قصصا ومغامرات مستوحاة من صلب الواقع.
نقلت القاصة في “دموع البحر” صورة نمطية عن المرأة العربية عامة والمغربية خاصة، فهي ربة البيت الكادحة التي تدير شؤونه بكل تدبر وصبر، وهي الزوجة المثالية والوفية التي لا تتأخر عن تلبية طلبات زوجها وهي الأم الحانية على أطفالها. وهو ما تجلى في قصة “زهرة الفجر” تقول:”كعادتها تقوم فوزية باكرا، ترمي الدلو في بئر الحوش لجلب سطلين ماء بارد. تسقي الأصيص وتملأ القدح الموضوع في منضدة غرفة نوم زوجها الذي يغوى النوم. فهو لا يغادر فراشه الوثير إلا على مضض….
ذات فجر وبعد سبعة أشهر، كانت الليلة بردا والمطر يصدر أصواتا وكأنها سمفونية تداعب الظلام الممزوج بخيوط نصف ضوئية على مئذنة الحي…
جاء الفرج، لؤلؤة مثل القمر…فالصبيان غالبا ما تكون لهم نفس صورة الوجه عند الولادة” ص54 ليقتصر دور الأنثى على خدمة الزوج والانجاب -خاصة الذكور- .
نقلت “فوزية الفيلالي” مشهدا عن صبر ووفاء المرأة لزوجها عند ابتلائه بالمرض في قصة “عفة بلا ثمن” تقول:
” ذات يوم من أيام الصيف القاحلة أصيب العم سلام بحمى التيفوئيد، فأصبح طريح الفراش، يسكنه المرض وقلة اليد، وليس له من معين إلاّ زوجته “يامنة” المرأة الحنونة المكافحة التي تشرب كأس الصبر على الريق دون سكر ولا تتذمر، في عقدها الخمسين لازالت تعانق نسائم الصباح وتغاريد طيور الحقول متأبطة يد الفأس وسن المنجل…أخذت يامنة زوجها إلى مستوصف القرية بعدما استفحل مرضه ليفحصه الطبيب الذي طلب من العم سلام بعض التحاليل”ص17-18
اضطرت “يامنة” لاقتراض بعض النقود من إحدى قريباتها لتوفر مصاريف العلاج لزوجها المريض.
وبالمقابل نسجت “فوزية الفيلالي” قصة مشابهة عنوانها “يلبس الوفاء” تصور لنا وفاء زوج لزوجته “وفاء” التي شوّه جمالها الوباء الذي أصاب القرية، فتظاهر بالعمى حتى توفيت – أي بعد عشرين عاما- حتى لا يحرجها بعد أن فقدت جمالها.
في ركن آخر من المجموعة القصصية وفي قصة “عودة الشكولاطة” تتحدث “فوزية الفيلالي” عن صبر زوجة الجندي فترة غياب زوجها، وتلبية كل احتياجات الأطفال والمنزل، حتى أنها لحظة عودة رفيق دربها تترك المجال لأطفالها السبّاقون للنشوة والاحتفاء بقدوم والدهم، مُؤجلة