كتب هشام صلاح
طالعت مقالا عظيم الدلالة و القيمة حول (أنواع الألفات وأحكامها ودلالاتها) للدكتور – جمال عبد العزيز الاستاذ بكلية دار العلوم حيث أخذنا فى رحلة ممتعة و طوف بنا مسكشفا أنواع الألفات ودلالاتها ليدلل على ثراء واتساع وبلاغة لغة الضاد مقارنة بباقى اللغات وإليكم ما خطه فكره قبل قلمه عبر مقاله ” من أنواع الألفات ” والمنشور بإحدى المواقع الصحفية
تأتى الألف على أشكال وضروب عدة من أهمها :
* – (ألف الاثنين ) :
وهي تلك الألف الني تقع فاعلاً، وهي ضمير مبني على السكون، ويحوِّل الفعل من الصحيح الآخر، أو المعتل الآخر، إلى الأفعال الخمسة، حيث يعرب معها الفعل إعرابًا فرعيًا في كل أحواله الإعرابية الثلاثة: رفعاً ونصباً وجرّاً، نقول على سبيل المثال:(الرجلان يُحسنان الفصحى، ويتكلمان بها، كما كان يتكلم العربي بسليقته) و(البنتان تتجولان في الحديقة، وتتجاذبان أطراف الحديث) و(المحمدان يتلوان القرآن الكريم، ويتقنان أحكام التجويد).وهذه الألف ضمير رفع ساكن، يعرب دائماً فاعلاً، في محل رفع،
– فإذا سُبق الفعل الذي دخلته ألف الاثنين بناصب أو جازم حُذفت نون فعله، فإن خلا الفعل من الناصب والجازم عادت نونه، كقوله تعالى: (وَاللذَانِ يَأتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا)، ومثل:(إنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَ يَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى)، (أوْ آخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمَا الأوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِالله..)،
– والفعل مع ألف الاثنين تكون نونه عند الرفع مكسورة دائمًا، وهذا الضمير يدل على أن الفاعل ليس مفرداً، وليس جمعاً، وإنما هو مثنى، سواءً دلت العبارة على مثنى مذكر، أو مثنى مؤنث، نحو:(هما يعملان، وأنتما يا بنتان تعملان).
– وأما أن تكون ألف المثنى في الأسماء مثل: محمدان وعليان وخالدتان وفاطمتان وعائشتان وحفصتان، فتحدث تغييرًا في المفرد، وتحيله إلى الاسم المثنى بعد أن كان مفرداً، فتصبح له أحكام أخرى، فكلمة (محمد) ـ على سبيل المثال ـ مفرد، وله أحكامه الإعرابية الخاصة به من حيثُ: رفعه بالضمة الظاهرة، ونصبه بالفتحة الظاهرة، وجره بالكسرة الظاهرة، فإعرابه أصلي ظاهري،
أما حال التثنية فتجعل إعرابه فرعيّاً، حيث: يرفع بالألف، وينصب، ويجر بالياء في حالتي النصب والجر نيابة عن الضمة والفتحة والكسرة، وتكون التثنية دليلاً على اسميته، حيث لا يُثَنَّى الفعل، ولا يُجمَع ما دام فاعله اسماً ظاهراً، مثل:(جاء الرجل، وجاء الرجلان، وجاء الرجال)، وتتغير الألف إلى الياء في حالتي النصب والجر، وإذا تقدّم الاسم الظاهر عاد الضمير عليه مثنًّى في فعله، نحو:(الرجلان كتبا بحثيْهما، ونُوقِشا فيهما، وحصلا على درجة ممتاز، فهذه الألف سواء دخلت الأسماء، أو أسندت إلى الأفعال،فإنها تعطي اللفظ أحكامًا نحوية جديدة، سواء من حيث الدلالة، أو من حيث الإعراب، ومن حيث عود الضمير مثنًّى على الاسم الظاهر قبله، وكذلك من حيثُ تحويله إلى أبواب الإعراب الفرعي،بعد أن كان إعرابه أصلياً، سواء كان ذلك في الأسماء ـ كما سبق ـ أو كان في الأفعال التي بينَّا أنه يصيِّرها إلى أفعال خمسة، تأخذ جانب الإعراب الفرعي كذلك. وتسمَّى الألف في المثنّى، نحو:(محمدان، خالدان، فاطمتان، عائشتان) ألف الإعراب، وهي حرف، حيث إنها توجد في حالة الرفع فقط، أمَّا في الأفعال فهي ضمير، يتخذ محل الرفع على الفاعلية، نحو:(المحمدان يؤديان العمرة، ويعودان إلى بلديهما)،
– وكذلك تدخل ألف الإعراب هذه في الأسماء الستة، وهي:(أب، أخ، حم، فو، ذو، هَن)، وهذه الألف لا تكون إلا في النصب، نحو:(استقبلت أخاك أحسن استقبال)، و(رأيت أباك في المسجد)، و( ما أحلم حماك!)، و( أرى فاك يُديم ذكر الله)، و(استر هَنَا أهلِك) أي: عورتهم، ونقول:(نحترم ذا الخلق الحسن، وذا الأدب الرفيع)، ونحو ذلك من تراكيب وجمل.
منه في القرآن، قول الله تعالى:(إنّ أبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينِ)، ونحو: (لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ)،(أَوْ إطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَة * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَة)، وهذه الألف هي: حرف الإعراب، وليست ضميراً كالتي سبقت في الأفعال الخمسة.
* – ومن تلك الألفات أيضا: ”ألف العماد”،
وهي تلك الألف التي تدخل الكلمة لتمنع دخول الوهم فيها، واشتراكها مع كلمة غيرها، وهي تدخل في ألفاظ متعددة، منها على سبيل المثال لا الاستقصاء:
– الضمير (أنا)، إذ لو لم تدخل تلك الألف ؛لما استطعنا أن نفرِّق الكلمة عن:(أنْ أو أنّ) لكنَّ دخول حرف العماد هذا إنما دخل ليعمّد لها مكانها الأصلي، ويرسخها في باب الضمير، ويُبعدها عن شبه الحرفية، سواء أكانت الناصبة للمضارع، أم الناسخة مفتوحة الهمزة التي تنصب الاسم، وترفع الخبر، وهي أخت (إنَّ)،
– وكذلك تدخل ألف العماد هذه على (نا) الدالة على الفاعلين لتدل على أنها للفاعلين الجمع، وليست نون النسوة الخاصة بالفاعلات، أي (جماعة النسوة) نحو: (إنّا كتبْنا بحثنا وقمْنا نمناقشته مع أستاذنا)، ومثل:(إنّ البنات قمْنَ بكتابة بحثهم، ومناقشته مع أستاذِهنّ)، فهذه الألف الموضوعة بعد النون جاءت لتعمِّدَ الكلمة وترسخها في باب ضمير جماعة المتكلمين، وتسمّى (نا) الدالة على الفاعلين،
– وكذلك تدخل ألف العماد على ضمير المخاطب والغائب للمثنى (كُما، وهُما) لتفرق بين ضمير المثنى، وضمير الجمع المذكر (كُمْ، وهُمْ) نقول:(رأيتكما أمس، رأيتهما أمس)، إذا كانا اثنين فقط، أما في الجمع فنقول:(رأيتكمْ أمس، ورأيتهمْ أمس)،
– وكذلك هي داخلة تلك الألف العمادية على الواو التي بعد الفعل المسند للجماعة، والتي نسميها واو الجماعة لتدل على أن الفاعل جمعا غائبًا مثل:(هم كتبوا بحوثهم، وخرجوا بعد مناقشتها).ولكن يتحتم دخولها على الفعل المضارع المسند إلى واو الجماعة في حالتي النصب والجزم ليفرق بين المضارع المسند للواحد الغائب (يدعوا)، والمسند للجمع الغائب عند نصبه وجزمه (لم ولن يدعوا) حتى لا يلتبس معتل الآخر، بما هو من الأفعال الخمسة حال النصب والجزم عند إسناده إلى واو الجماعة، فتدخل هذه الألف لتحيل الفعل من المفرد الغائب إلى جماعة الغائبين، نحو:(هو يدعو إلى الله، وهم لم يدعوا إلى الباطل)،
توضع تلك الألف بعد واو الجماعة لتفرق بين شريحة المفرد، وشريحة الجمع المنصوب أو المجزوم في المضارع. فهذه هي بعض مواضع الألف التي يسمونها حرفَ العماد ورحم الله أول من وضع تلك الألف؛ لأنّها حلت مشكلاتٍ لغوية كثيرة، ووضعت حدًّا فاصلا بين مستويات الكلام..
* : – الألف المجهولة :
وهي تلك الألف التي تردُ في آخر الأفعال والأسماء لتشبع حركتها ، وقد يسمّيها بعضهم ” بألف الإشباع “، و يسميها آخرون ” ألف الإطلاق “، ومنها على سبيل المقال
: سلوا قلبي غداة سلا و تابا *** لعل على الجمال له عتابا
فقد أتى بألف في آخر الفعل ( تاب ) لإشباع فتحة الباء ؛ لأن العربية من ميزاتها أنها لا تقف على متحرك ، فتأتي بحرف ساكن من جنس الحركة لتقف عليه ، ولا تبدأ كذلك بساكن ، فتأتي بألف وصل كحرف ارتكاز تنطلق منه لنطق الساكن ، مثل : ( اِنطلق ، اِستمع ، اِستغفر، اِستغفرْ ) ، و بعد الاسم، مثل : ” أقلِّي اللوم عاذل والعتابا *** و قولي إن أصبت لقد أصابا ” فقد زاد ألفا في ( العتابا ) في عروض البيت ؛ إشباعًا لفتحة الباء ، وتلاقيا مع ضرْب البيت ( أصابا ) ، حيث أشبع فتحة الباء كذلك ، فهذه هي الألف التي يطلق عيها ألف الإطلاق، أو ألف الإشباع، أو الألف المجهولة ، وكما نرى فإن تلك الألف خاصة بالشعر ، حتى لا ينكسر وزن البيت ، ولأن الحرف في نهاية كل شطر ينبغي أن يكون مسكّنًا ، فنشبع حركته ما لم يأتِ حرفًا صحيحًا سكّنه الشاعر ابتداءً، نحو
: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدرْ
ولابد لليل أن ينجلي ** ولابد للقيد أن ينكسرْ
فتلك قافية مقيَّدة ، لا نتحدث هنا حولها، إنما حديثُنا عن القافية المطلقة، أي التي جاء آخرها حرفا متحركا ، فينتج عنه حرفٌ من جنس حركة ذلك الحرف الأخير ؛ حتى لا نقف على متحرك
* – ومنها ألف التعايي :
( بياءين بعد الألف ) ، وهي تلك الألف التي يأتي بها المتكلم عندما يعيا باللفظ ، فيقف عليه آتيًا بألف، يمدُّها ؛ انتظارًا لما ينفتح عليه من الكلام ، مثل أن يقول: إنّ عُمَرَا ، فيرتجُّ عليه الكلام، فيقف ، فيمد تلك الألف ، رغم أن اللفظ ممنوع من الصرف، وأنه لا ينون، غير أن المتكلم قد اضطرب، فيرتكز على تلك الألف التي تظهر عِيّهُ، وتوقفه حتى يفتح الله عليه باستمرار الكلام فيما يريد من حديث ، وهي تحصل لآحادنا يوميا عندما يتوقف مفكِّرا ، أو منتظرا لشيء يراه في ذاته ؛ ليعبّر به عما في نفسه ، فينتظر قليلا ، آتيا بتلك الألف كمحطة ينطلق منها إلى استكمال حديثه
* – ألف الإشارة للحاضر :
نحو : هذا ، و هذه ، و ذاك ، وذلك ، وهاتا ، وذا ، ونحوها من أسماء الإشارة التي نشير بها إلى الشيء أو الشخص الحاضر ، ولكن الرسم القرآني غلب على الإملاء العادي ، فحذف تلك الالف اكتفاء، واجتزاء بفتحة الهاء (هذا ) وأصلها (هاذا)، و(ذلك) ، وأصلها (ذالك) بدليل المفرد الذي لم تلحقه لام البعد ، وكاف الخطاب، وهو (ذا) ، أما إذا لحقته لام البعد، فنراها قد حذفت تلك الألف، والأصل ثبوتها (ذلك)، كما حذفت الياء من (تي) في (تلك) بسبب التقاء الساكنين . –
* – ألف العجز والضرورة :
وهي متعلقة باللهجات ، ففي لهجة بعض الناس ينطقون العيب : الأيب ، ويقولون للعين: الأين؛ عجزا منهم لعدم القدرة على الإتيان بالعين المحققة ، فتلتبس الدلالات من العيب إلى الأيب ، ومن العين إلى الأين . – ومنها كذلك ألف التفخيم : وهي تلك الألف التي تشبع داخل الكلمة، فتزاد تفخيما لها ، وكذلك لكي لا ينكسر وزن البيت ، وذلك مثل قول القائل : ” أعوذ بالله من العقارب * الشائلات عقد الأذناب ” و قول رؤبة : ” راحت وراح بعض السبساب”، وأراد السبب ، فزاد الألف للقافية ، فزادها تفخيما للكلمة ، ويقول آخر : ” وأنتِ من الغوائل حين تُرْمَيْ ** ومن ذمّ الرجال بمنتزاح” أراد بمنتزح ، فأشبع الفتحة ، فنشأت الألف ؛ وكقول الآخر : ” أقول إذا خَرَّتْ على الكلكال ** يا ناقتا ما جُلْتِ من مجال ” اراد الكلكل ، وهو الصدر من كل شيء ، وهو قد زاد هناليفيد إفخام اللفظ ، وكقول القائل: ” إذا العجوز غضبتْ فطلِّقِ * و لا ترضَّاها ولا تَمَلَّقِ ” إذ الصواب أن يقول: ( ولا ترضها ) بحذف آخر المعتل لعلة النهي ، فكل هذه الكلمات أتت فيها الألف للإفخام .
* – وهناك ما تسمى الألف ،
وهي اسم للواحد في حسب الجُمّل، وكالياء التي هي اسم للإثنين ، وهكذا ، و حساب الجُمّل معروف ، وهو ضرب من الحساب، يُجْعَلُ فيه لكل حرف من الحروف الأبجدية عددٌ من الواحد إلى الألف على ترتيب خاص ، فيعطي كلُّ حرف رقما معينا يدل عليه ، فكانوا من تشكيلة هذه الحروف ومجموعها يصلون إلى ما تعنيه هذه الحروف من تاريخ مقصود ، وكان المسلمون قديما قد وظفوه في تثبيت التاريخ ، وكثيرا ما أُرّخَتْ به أحداث ومناسبات وحروب وتآليف كتب، ونحوها . – وأخيرا ،
* – الألف الكافية :
وهي تلك الألف التي يُكتفَى بها عن الكلمة ، وتُغْني عن ذكر حروفها ، مثل : ( الم ) فنحن ننطقها حروفا ، هكذا : ( ألف، لام، ميم ) كما في الحديث الشريف الوارد في ثواب تالي القرآن الكريم ؛ لكنها ألف فقط في الرسم القرآني ، فكأنها كَفَتْ عن حروفها وأغنت ، وهو خاص بالحروف المقطعة في بدايات السور القرآنية.
** وللاستزادة من هذ الألفات ،
ومعرفة أنواعها ما يتعلق بها يمكن العود إلى كتب الألفات ، و أذكر هنا عددا من تلك الكتب المهمة، ومنها: – كتاب الألفات لأبي بكر محمد بن عثمان المعروف بالجعد (ت 320هـ )، – كتاب الألفات لأبي بكر محمد بن القاسم بن بشار الأنباري ( ت328هـ)، – كتاب ألفات الوصل والقطع لأبي سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي(ت368)، – كتاب الألفات لأبي عبد الله بن الحسين بن احمد بن خالويه (ت370هـ)، – كتاب الألفات في القرآن لأبي الحسن عليبن الرماني (ت384هـ)، – وأخيرا كتاب الألفات ومعرفة أصولها لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني (444هـ). كل ذلك من الكتب القديمة التراثية قد ناقش الألف وأنواعها وخصائصها وضوابطها ، بخلاف كتب المحدثين التي تناولت – هي الأخرى- الألفات بصورة معاصرة ، وأخذت على عاتقها قرارات مجمع اللغة العربية ، والضوابط التي ارتضتها تلك المجامعُ اللغوية ؛
** وهكذا وبعد استعراض مقال د – جمال عبد العزيز نؤكد على أن دار العلوم ستظل الحصن الحصين وبل المكين برجالها وحماتها الأوفياء الأمناء على خير اللغات وأعظمها وأرفها اللغة التى اختارها الله من فوق سبع سموات لتكون وعاءا لكتابه العزيز — فهنيئا لنا – نحن العرب – لغتنا لغة أهل الجنة