في الماضي كان الاقتراب من هاتف المنزل محظوراً وممنوعًا إلا على الوالدين وإذا رن الهاتف تتعالى أصواتهما من بعيد لا أحد يرد.
فهذا الجهاز الساحر ارتبط بمفهوم الأخلاق والحياء
وكان اقتراب البنات منه يماثل خروجهن في الشارع دون غطاء رأس
في الماضي كان أقصى ما يمكن أن يشاهده الصغار
في التلفزيون افتح يا سمسم،
والكابتن ماجد، وزينه ونحول.
وأفضل البرامج في رمضان بابا فرحان (بعد العصر).
وبرنامج العلم للجميع.
في الماضي كان الأب عملاقا كبيرا. نظرة من عينه تخرسنا.
وضحكته تطلق أعيادا في البيت.
وصوت خطواته القادمة إلى الغرفة تكفي لأن نستيقظ
من عميق السبات ونصلي الفجر.
في الماضي كانت المدرسة التي تبعد كيلومترات
قريبة، لدرجة أننا نمشي إليها كل صباح، ونعود منها كل ظهيرة.
لم نحتج إلى باصات مكيفة.
ولم نخشَ على أنفسنا ونحن نتجوّل في الحارات.
في الماضي لم تكن هناك جراثيم على عربات التسوق.
ولم نعرفها في أرضيات البيوت. ولم نسمع عنها في إعلانات التلفزيون.
ولم نحتج لسائل معقم ندهن به أيديَنا كل ساعتين
لكننا لم نمرض.
في الماضي كانت للأم سلطة.
وللمعلم سلطة.
وللمسطرة الخشبية الطويلة سلطة.
نبلع ريقنا أمامها.
وهي وإن كانت تؤلمنا، لكنها جعلتنا نحفظ جزء عم
وجدول الضرب، وأصول القراءة، وكتابة الخط العربي،
ونحن لم نتعدَّ التاسعة من العمر بعد.
في الماضي كان ابن الجيران يطرقُ الباب ويقول: (أمي تسلّم عليكِم وتقول: (عندكم بصل . طماطم . بيض . خبز؟)
إخوان في الجوار والجدار وحتى في اللقمة.
في الماضي كانت الشوارع بعد العاشرة مساءً تصبح فارغة، وكان النساء يمكثن في بيوتهن، ولا يخرجن قطُّ في المساء.
وكان الرجال لا يعرفون مكانًا يفتح أبوابه ليلاً سوى المستشفى.
في الماضي كان الستر في الوجوه الطيبة الباسمة.
وكانت أبواب البيوت مشرعة للجيران.
والترحيب يُسمعُ من أقصى مكان.
وكنا نتبادل أطباق الطعام.
والآن نتبادل الشكوك وسوء الظن!
والآن عرفتم من الطيبون الذين رحلوا؟
نعم إنها الأنفس التي تغيرت وأعمتها الحضارة كما يقولون
حضاره ألبستنا أرقى أنواع الملابس.. وعرتنا من القيم الإنسانية!
ورحل الطيبون..