لم أكن أتخيل في يوم ما أنني سوف أحزن هذا الحزن علي فراق حيوان، نعم حيوان، كلب من فصيلة الراعي الألماني ، تعلقت به بشدة منذ جاء إلي منزلي صغيراً وحتي اليوم، لم أكن أتخيل أنني سوف ابكي حزنا عليه ،، ولكن من يعرف بحر، سوف يعرف أنه يستحق.
هذا الكلب الوفي أهدتني إياه قريبتي ، هو وأخته كناريا، أطفال صغيرة ، لا علم لهما بأي شئ عن الحياة ، راقبتهما يوما بعد يوم وتعلقت بهما تعلقا شديدا، كان بحر شديد الذكاء لماح ، شديد المرح يعشق اللعب والانطلاق، صعب السيطرة عليه، لا يستمع إليك إلا حبا فيك فقط، لا يخضع للتدريب ذو شخصية وبصمة واضحة .
راقبت ملامح شخصية كل منهما كناريا وبحر ، فوجدت أن معشر الكلاب يتمتع كل منهم بطبيعة شخصية مختلفة، وهوايات متعددة، كناريا تعشق الحفر والجلوس والمراقبة،وتتعامل كأنثي جميلة تشعر بأنوثتها، هادئة الطبع، تخاف من كل ما هو جديد عليها رغما عن شراستها التي تعلمتها بالفطرة.
أما بحر فيعشق اللعب والمرح والقفز ، له طابع متميز يجعلك تتعلق به دون أن تشعر، فرض بروحه المرحة شخصيته في حياتي وحياة أولادي. كنت أعشق الجلوس معه والنظر إليه ومراقبة أفعاله، كان يستطيع فتح الأبواب بيده، شديد الدقة في متابعة الأحداث ، يهابه كل من يمر أمام منزلنا.
واليوم وفجأة و بدون أي مقدمات ، دخل ابني إلي غرفتي في منتصف الليل ، مصدوماً ليخبرني بخبر وفاته ، ذهبت لأراه للمرة الاخيرة ، فوجدته نائماً غارقاً في دمه، لا أستطيع معرفة سر وجود هذا الكم من الدماء عليه وحوله، لم استوعب المنظر، ولَم أستطيع تقبل الأمر ، رغم رضائي بقضاء المولي عز وجل ، ولكنه أصبح جزء من حياتي، ينتظر عودتي ليستقبلني بكل حب وفرح، فيدخل السعادة إلي قلبي بعد شقاء يوم طويل من العمل والإرهاق، وتحمل الطريق بكل ما فيه من صعوبات.
منذ عام اضطررت للسفر ولَم يكن في استطاعتي أن أخذهما معي، فكان الحل الوحيد أن أودعهما في إحدي دور الرعاية الخاصة بالكلاب حتي يتم تدريبهما خلال فترة سفري، الغريب في الموضوع أنني لم استطع النوم طوال المدة ، كنت كلما غفوت أري كل منهما يناديني باستغاثة وكأننا أصبحنا علي اتصال روحي من شدة ارتباطي بهما، وعندما انتهت أيّام السفر ، قررت العودة لاصطحابهما أولا للمنزل قبل أي شئ، وكانت المفاجأة ، وجدتهما في حالة سيئة لدرجة أنني لم أعرفهما، الضعف والجوع يظهران عليهما بوضوح، كذلك الإرهاق والعصبية، وعندما عدت بهما إلي المنزل ، رفض بحر الدخول، ونظر إلي نظرة عتاب لن أنساها ما حييت، كأنه يلومني علي تركه وفراقه لعدة ايّام، أما كناريا كانت متوترة وحزينة وفِي نفس الوقت كأنها عادت إليها الروح بعودتها معي إلي المنزل.
الحيوانات ليست أقل منا ذكاءاً ، ربما نختلف في التكوين والرسالة التي خُلِقنا من أجلها ولكنهم في النهاية أمم أمثالنا، عائلات تتناسل وتزداد وتفرقها الأيام ليحيا كل منهم في مكان مختلف وبصحبة مختلفة، كلما تذكرت بحر وتذكرت بصمته في الحياة انفطر قلبي من الحزن لفراقه، وتذكرت ما يحدث في الطرقات ومع كلاب الشوارع، والقتل المتعمد لهم دون رحمة، متناسين أنهم أرواح خُلِقت دون ذنب، ولا حيلة، لتحيا في عذاب مشردة، ربما نحتاج إعادة النظر في الرفق بالحيوان، فمن يقترب منهم ويعاشرهم يتعلم الكثير ، ويتعجب من خلق الله، سبحان الخالق العظيم ، الذي يجعلنا نتعلم من كائنات لا نعرف لغتهم فلكل حيوان لغة ووسيلة للتواصل، وتبقي الرحمة هي أسمي لغة للتعامل مع الكون، وداعاً صديقي العزيز بحر، انفطر قلبي لفراقك، وجدت منك من الود ما لم أعهده في الكثير من البشر .