تشكل محاربة الفساد أحد أبرز التحديات في الكثير من دول العالم بسبب انتشاره الواسع فيها وتعطيله لفرص التنمية والإصلاح السياسي والاقتصادي. وتعد الدول العربية من الدول الأكثر فسادا بسبب غياب التعددية السياسية ودول القانون.
أن سيادة القانون هي أساس لمكافحة الفساد وأن التزام جهة أو طرف فيها دون الأطراف الأخرى لا يحقق مخرجات سيادة القانون على النحو الأمثل، ولذلك يجب أن يشكل هذا المبدأ قيمة حياتية ممارسة بشكل تلقائي وعفوي ويومي انطلاقاً من حاجة الفرد لها بعيداً عن أي اصطفافات وراء أبطال وهميين قد تفرزهم أي مكونات جمعية يدافع عنهم الأفراد رغم ضلوعهم بالفساد أو شبه الفساد.
وتعد اتفاقية الاتحاد الإفريقي لمنع ومكافحة الفساد الوثيقة القانونية الأساسية للقارة الإفريقية، فيما يتعلق بالتصدي للفساد وتعزيز الشفافية والمساءلة في أنحاء القارة، وهى مشابهة لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد إلى حد كبير.
وتتضمن الاتفاقية أحكاما خاصة بالإجراءات التشريعية اللازمة للتجريم، ومكافحة الفساد والجرائم ذات الصلة في مجال الخدمة العامة، وسبل الحصول على المعلومات والاختصاص القضائي، والحد الأدنى لضمانات المحاكمات العادلة والتسليم، ومصادرة العائدات والوسائل المتعلقة بالفساد والسرية المصرفية، والتعاون والمساعدة القانونية المتبادلة والتعاون الدولي وآلية المتابعة. وكانت الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي، قد تبنت الاتفاقية في الدورة العادية الثانية للمؤتمر الذي عُقد في موزمبيق يوليو 2003، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في أغسطس 2006 بعد 30 يوما من إيداع وثائق تصديق 15 دولة على الاتفاقية في ذلك الوقت، وانضمت مصر إلى الاتفاقية لاحقًا، بتوقيع الرئيس عبد الفتاح السيسي عليها في يناير 2017.
وحتى الآن صدقت على الاتفاقية 40 دولة من أعضاء الاتحاد الإفريقي الـ 55 وفقا لبيانات نشرها موقع الاتحاد الإفريقي في مايو 2018، ووفقًا لما ذكره أيضا الرئيس النيجيري خلال مناقشة تقريره حول مكافحة الفساد في أفريقيا، بقمة فبراير 2019.
من أبرز أهداف اتفاقية الاتحاد الإفريقي لمنع ومكافحة الفساد، تشجيع وتعزيز قيام الدول الأطراف بإنشاء الآليات اللازمة في إفريقيا لمنع الفاسد وضبطه والمعاقبة والقضاء عليه وعلى الجرائم ذات الصلة في القطاعين العام والخاص، وتعزيز وتنظيم وتسهيل التعاون بين الدول الأطراف من أجل ضمان فاعلية الإجراءات الخاصة بمنع جرائم الفاسد والمعاقبة عليها.
بالإضافة إلى تنسيق السياسات والتشريعات بين الدول الأطراف لأغراض منع الفساد، وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية عن طريق إزالة العقبات التي تحول دون التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكذلك الحقوق المدنية والسياسية، وتوفير الظروف المناسبة لتعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الشئون العامة.
ويتولى مجلس استشاري حول الفساد داخل الاتحاد الإفريقي مهمة تقديم تقارير بانتظام إلى المجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي، حول التقدم الذي تحرزه كل دولة في الامتثال لأحكام هذه الاتفاقية.
وقد قدمت بعض الدول تقارير للمجلس كشفت عن تحقيقها تقدما في تنفيذ الاتفاقية، فيما يتعلق ببنود اعتماد تدابير تشريعية وسن قوانين لمكافحة الفساد، فضلا عن إنشائها وكالات وطنية لمكافحته، منها بوركينا فاسو وإثيوبيا ونيجيريا وكينيا وتنزانيا وأوغندا.
كما تمكنت مصر أيضا من تحقيق معدلات نجاح كبيرة في محاربة الفساد منذ إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد الأولى عام 2014، وفى ختام المنتدى الثالث إفريقيا 2018، أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي المرحلة الثانية من الاستراتيجية الوطنية، مع تفعيل نشاط الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد، وأعلن عن تقديم منح تدريبية للكوادر الإفريقية، في ذات المجال.
وأعلن الرئيس السيسي، عقد منتدى لمكافحة الفساد في أفريقيا بالتزامن مع المؤتمر الرابع لاتحاد هيئات مكافحة الفساد الذي ينعقد في مصر أيضا، وذلك تحقيقا للترابط الموضوعي وحرصا على خروج الحدثين بنتائج منسقة ومتسقة، وذلك حرصًا من الدولة المصرية على القيام بدورها تجاه أشقائها بالقارة السمراء وتشجيعهم على تبني سياسات واعتماد خطط عمل وبرامج تؤدي للقضاء على الفساد، وتحقيق الترابط المعرفي بين جميع أنحاء القارة حول مخاطر الفساد على جهود التنمية والتحديث.
أن مصر قدمت نموذجا من النزاهة والشفافية لمواكبة التطور العالمي في مجال التعاقدات الحكومية، فقد كشف التطبيق العملي لقانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998 عن مشكلات، ورغبة في مواجهة ما طرأ من مستجدات اقتصادية واجتماعية، ومواكبة التطور العالمي في مجال المشتريات الحكومية، بالإضافة إلى إحكام الرقابة وتحقيق الكفاءة الاقتصادية بحصول الدولة على قيمة حقيقية مقابل ما يتم إنفاقه من مال عام، وتجنب الصرف غير المبرر بما ليس له مردود إيجابي على أداء الجهات الخاضعة لأحكام القانون، وضبط ترشيد الإنفاق العام، ومكافحة الفساد، وبما يهدف إلى تخفيف العبء عن الموازنة العامة للدولة وتبسيط الإجراءات،
وتيسير العمل التنفيذي وتحقيق أهداف اللامركزية، فضلاً عن إرساء مبادئ الشفافية، وتكافؤ الفرص، وتوسيع قاعدة المنافسة وتدعيمها. على نحو ما جاء المذكرة الايضاحية بإصدار القانون رقم 182 لسنة 2018 بتنظيم التعاقدات التي تبرمها الجهات العامة.
أنه حرصاً على تسهيل نفاذ مجتمع الأعمال للمعلومات المتعلقة بالمشتريات الحكومية من خلال تخطيط المشتريات، وتحديد الاحتياجات لسنة قادمة على أسس واقعية، والنشر على موقع بوابة المشتريات الحكومية، وإدارة العقود، وبصفة خاصة مرحلتي ما قبل الطرح وما بعد الترسية، وإعطاء أفضلية في التعاقدات الحكومية للمنتج المحلى ذي الجودة، إلى جانب الحد من ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي، والعمل على تنمية المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر، ورفع كفاءة ومستوى أداء العاملين القائمين على تطبيق أحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات، وتحقيقاً لذلك، صدر هذا القانون.
بموجب المادة 218 من الدستور الساري -وضع التزاما على عاتق الدولة بمكافحة الفساد، كما ألزم الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بالتنسيق فيما بينها في مكافحة الفساد، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية من خلال عنصرين الأول ضماناً لحسن أداء الوظيفة العامة والثاني الحفاظ على المال العام، ووضع ومتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد مع غيرها من الهيئات والأجهزة المعنية.
عندما يتسامح القانون، أو يتساهل، مع الفاسدين يصبح هو نفسه قانونا فاسدا لأنه يشجع رجال “المافيا” على الاستمرار في تطوير أدوات الاختلاس ويعطيهم “حصانة” إضافية ضد المجتمع فيصبح اللص والمختلس من ذوي الحظوة عند الناس لأنهم انتقلوا – في نظر الذين لا يعرفون مصادر ثرواتهم-من عامة الناس إلى صفوة المجتمع وصارت لهم أموال طائلة في ظرف قياسي يستطيعون بها شراء كل ما يريدون من ذمم الضعفاء ومن سيارات وعقارات ومنقولات ومراتب اجتماعية وشهادات ومناصب رسمية.
فإن المشرع الدستوري – بموجب المادة 27 من الدستور – جعل هدف النظام الاقتصادي تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية بما يكفل معدل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي ورفع مستوى المعيشة وزيادة فرص العدل وتقليل معدلات البطالة والقضاء على الفقر، بل ألزم المشرع الدستوري النظام الاقتصادي بمعايير الشفافية والحوكمة، ودعم محاور التنافس وتشجيع الاستثمار، والنمو المتوازن جغرافياً وقطاعياً وبينياً، ومنع الممارسات الاحتكارية مع مراعاة الاتزان المالي والتجاري، وضبط آليات السوق، وكفالة الأنواع المختلفة للملكية، والتوازن بين مصالح الأطراف المختلفة بما يحفظ حقوق العاملين ويحمى المستهلك. فإن المشرع الدستوري – بموجب المادة (28) من الدستور -جعلت الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية والخدمية والمعلوماتية مقومات أساسية للاقتصاد الوطني، وألزم الدولة بحمايتها، وزيادة تنافسيتها، وتوفير المناخ الجاذب للاستثمار، والعمل على زيادة الإنتاج، وتشجيع التصدير، وتنظيم الاستيراد، وتولى الدولة اهتماماً خاصاً بالمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر في كافة المجالات، وتعمل على تنظيم القطاع غير الرسمي وتأهيله.
ولا ريب أن الحوكمة هي مجموعة من القوانين والنظم والقرارات التي تهدف إلى تحقيق الجودة والتميز في الأداء والرقابة عليها للوصول إلى الأهداف المرجوة وكم من حقوق ضاعت في عهود سابقة بسبب غياب المنهج العلمي للحوكمة كأسلوب للإدارة الرشيدة.
أن القاضي الإداري المصري أرسى النظرية العامة للعقود في سائر موجباتها بل وتفوق على القاضي الإداري الفرنسي في بعض أساليب التعاقد أو نظريات التوازن المالي للعقد، وفكرة التوسع في اختصاصات وسلطات قاضى العقد بمد اختصاصه بنظر الطعون في القرارات الصادرة قبل التعاقد وهى القرارات المنفصلة عن العقد ومنها استبعاده من التقدم للمناقصة للغش، وذلك عملا بمبدأ الاقتصاد في الإجراءات بدلا من اللجوء لقاضى الإلغاء ثم اللجوء من بعده لقاضى العقد، لإعمال أثر الإلغاء على العقد، فمن موجبات حسن سير العدالة في مجال العقود الإدارية ألا تتجزأ أوصالها فتكون في يد واحدة، وكذلك تعرض القاضي الإداري لضمانات التعاقد في المجال الحكومي، وأثر فكرة الغش في التعاقدات الحكومية كسبب يحد من الفساد إعمالا لأحكام الدستور والقانون رقم 182 لسنة 2018 بشأن التعاقدات الحكومية.
أن الرقابة الإدارية منذ عام 1964 بمقتضى القانون رقم 54 لسنة 1964 بإعادة تنظيم الرقابة الإدارية لها دور فاعل في ضبط الاَداء في المجتمع وذلك حتى في ظل النصوص القانونية التي كانت تكبل من دورها الرائد في المجتمع، ونظراً لأن الأنظمة القانونية الحاكمة هي التي ترسم حدود دور الأجهزة الرقابية التي تكافح الفساد في ظل نظام سياسي معين، فإن دور الرقابة الإدارية بات أكثر فاعلية وديناميكية من كل وقت مضى، والسبب في ذلك تغير الأنظمة القانونية الحاكمة لدور الرقابة الإدارية نحو منحها ما تستحقه من الصلاحيات والضمانات وأليات التنفيذ لأداء دورها.
ففي ظل القانون رقم 54 لسنة 1964 وإن كانت هيئة مستقلة تتبع رئيس المجلس التنفيذي إلا أنها أصبحت بمقتضى القانون رقم 207 لسنة 2017 المعدل هيئة رقابية مستقلة تتبع رئيس الجمهورية مباشرة ولها الشخصية الاعتبارية المستقلة فضلاً عن تمتعها بالاستقلال الفني والمالي والإداري، وتقوم فلسفة العمل بها على أهداف محددة تتمثل في منع الفساد مكافحته بكافة صوره، واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة للوقاية منه، ضماناً لحسن أداء الوظيفة العامة وحفاظاً على المال العام بل وغيره من الأموال المملوكة للدولة،
وقد أجاز لها القانون المعدل بحسب ما تراه بموجب سلطتها التقديرية أن تجرى التحريات فيما يتعلق بالجهات المدنية وإذا أسفرت التحريات عن أمور تستوجب التحقيق تُحال الأوراق منها إلى النيابة الإدارية أو النيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة بحسب الأحوال، وعلى الجهات الأخيرة افادتها بما ينتهى إليه التحقيق، وقد تطورت آليات العمل تطوراً كبيراً يضاهى أعتى الدول المتقدمة على نحو من الاستقلال بفضل رجالها الأوفياء من ناحية، واستخدام أحدث التقنيات الفنية المتاخمة للعمل الرقابي من ناحية أخرى، بعد أن كان لها قديماً الاستعانة برجال الشرطة وغيرهم من رجال الضبطية القضائية وذوى الخبرة.
أنه استلهاماً من الدعوة السيادية لحشد الطاقات المؤسسية والمجتمعية للحد من ظاهرة التطرف التي اُعلنت من خلال اجتماع المجلس القومي لمكافحة الإرهاب والتطرف والتي دعت إلى بناء استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة الإرهاب. وانطلاقاً من القرار الجمهوري رقم 355 لسنة 2017 بإنشاء المجلس القومي لمواجهة الإرهاب والتطرف، والذي يهدف إلى حشد الطاقات المؤسسية والمجتمعية للحد من مسببات الإرهاب ومعالجة آثاره، يختص المجلس بإقرار استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة الإرهاب والتطرف داخلياً وخارجياً ومتابعة تنفيذ إجراءات التحفظ على أموال الكيانات الإرهابية والإرهابيين ورصد التحويلات المالية للعناصر والتنظيمات الإرهابية، تجفيفاً لمصادر تمويل التطرف والإرهاب.
انه من العوامل التي تؤدى لنجاح تلك المنظومة قبل أن تبدأ هو الارتباط العضوي بين رئاسة هيئة الرقابة الإدارية ووجودها بقوة القانون ضمن تشكيل المجلس القومي لمكافحة الإرهاب والتطرف يجعل المسئولين عنها أمام نداء وطني جديد لا يملكون إلا تلبيته،
وأن يبدأ برنامجاً وطنياً متميزاً لتنشيط التحرك الاستراتيجي ومباغتة منابع الإرهاب من الناحية المالية يقضى على عصب النمو السرطاني لهذه الخلايا، وهذا الدور في بسط يد الرقابة الإدارية على قمع أموال الإرهابيين يتطلب قراءة جديدة واعية مستنيرة لها رؤيتها الفقهية في تفسير قانون هيئة الرقابة الإدارية الذى أوكل لتلك الهيئة مكافحة الفساد بكافة أنواعه ووفقاً للمادة (218) من الدستور وفى ضوء عضوية الهيئة ضمن تشكيل المجلس القومي لمكافحة الإرهاب والتطرف وذلك تفسيراً حديثاً يلبى احتياجات المجتمع العاجلة المطلوبة من تلك الهيئة.
إذا كانت هيئة الرقابة الإدارية تقوم بدور ملموس في مواجهة حالات الضعف الإنساني في كل موقع مهما علا شأن صاحبه في السلم الوظيفي أو السياسي في أي درجة من درجات المسئولية، كما أنها ارتبطت بمشاكل الناس اليومية في العلاج والتعليم والاحتياجات الاستهلاكية والمستشفيات
إن الاكتشاف المبكر لأموال الإرهابيين هو خير وقاية للمجتمعات الافريقية من تداعيات أى تحرك نشط، وفى مصر فإن دور هيئة الرقابة الإدارية بهذا الصدد يتكامل ويتساند ولا يتصادم بل يتعاظم حينما تخرج الأهرامات الثلاثة الحارسة وهى السياسي والاقتصادي الاجتماعي والأمني وهذا الطريق هو الذى يؤدى إلى اجتثاث خلايا الإرهاب النائمة والنشطة لأن المال هو العنصر الفاعل للتحرك الإيجابي لتلك السلبيات،
ولا ريب أن الاعلان عن هذا الدور يصيب جماعات التطرف بالرعب لثقة الشعب في نزاهة ووطنية عمل تلك الهيئة. أن كشف عمليات غسيل الأموال والتمويل الخارجي المقنع والشركات متعددة الجنسيات التي تقوم بعمل سياسي تحت ساتر اقتصادي يوقف التدفق المالي لهم ويوقف تغذية الإرهاب،
لذا فإن دور هيئة الرقابة الإدارية في الفحص والتمحيص والتحري والضبط هو الذى سوف يكشف النقاب عن عمليات غسيل الأموال والتلاعب في العملات والتمويل الخارجي المقنع والشركات الوهمية والشركات متعددة الجنسيات التي تقوم بعمل سيأسى تحت ساتر اقتصادي. وهو ما يؤدى إلى الاسهام المبكر في ضبط منظومة التدفق المالي للجماعات الإرهابية عن طريق ما يعرض من نماذج في ساحة القضاء من خلال فحص رجالها الأعم والأشمل. أن الدور الفاعل المسئول لهيئة الرقابة الإدارية في تحمل أمانة حراسة مسيرة الشرف والأداء الرشيد في آلية العمل الوطني بات أمراً لازماً في تطهير المجتمع من ظواهر الفساد ومظاهره التي تنخر في جسد الأمة،
خاصة في هذه المرحلة التي تعتبر نقطة تحول تتجه فيها بكل الثقة والأمل نحو بناء المجتمع الرشيد ترفرف عليه أعلام العدالة والمساواة المتكافئة تحت مظلة القانون بحيث يشعر الكافة أنه لا يوجد أحد فوق القانون مهما كان موقعه، لكي نعيد إلى المسئولية العامة هيبتها وللدولة مكانتها ولشعارات سيادة القانون مصداقيتها ولشرف القرارات الرسمية قدسيتها.
تبيَّن أن الفساد الإداري والاجتماعي ظاهرة قديمة زادت بدرجات كبيرة في الثلاث أعوام السابقة؛ حيث استخدمت الوظيفة لغايات غير رسمية وشخصية؛ مما أدى إلى تفشي ظاهرة الفساد، وضَعف الإرادة السياسية لمكافحة الفساد؛ حيث يمنع أعضاء البرلمان من الكشف عن مدخولاتهم ومصادرها.
يؤدي الفساد إلى ضَعف الاستثمار وهروب الأموال خارج البلد، في الوقت الذي كان من المفروض استغلال هذه الأموال في إقامة مشاريع اقتصادية تنموية تخدم المواطنين، من خلال توفير فرص العمل.
يؤدي الفساد بالإضافة إلى هجرة أصحاب الأموال هجرة أصحاب الكفاءات والعقول الاقتصادية خارج البلاد بسبب المحسوبية والوساطة في شغل المناصب العامة؛ مما يؤدي إلى ضَعف إحساس المواطن بالمواطنة والانتماء إلى البلد.
إن ثقافة الواسطة ضاربة الجذور في المجتمع العربي، وقد ساعد على ترسيخها اعتبار أنها يمكن أن تكون حميدة، وأنها ليست دائمًا سيئة، وأن هذه المقولة تجد ما يؤيدها في تراثنا الإسلامي وتراثنا الاجتماعي.
لا بد أن نعترف ابتداءً أن مكافحة الواسطة مسألة لا تحتاج فقط إلى أساليب أو وسائل فاعلة، ولكن تحتاج أيضًا إلى مرور مدة زمنية ليست بالقصيرة، والتي قد تستغرق أكثر من جيل. تبني سياسات اقتصادية تُحفز الإنتاج المحلي ولا تستسهل استيراد المواد المنافسة، وإعطاء اهتمام لتشجيع الزراعة كمصدر للتشغيل والإنتاج.
تعميق دور الإدارة العليا، من خلال تكثيف الجهود لتطويق مشكلة الفساد والسيطرة عليها ومعالجته، والوقاية من عودته، من خلال اتخاذ القرارات الحاسمة، وكذلك العمل على تشكيل لجنة عليا مستقلة لمكافحة الفساد، من خلال الصلاحيات التي تمنح لها، وكذلك الاختبار الصحيح لأعضاء اللجنة (خارج نطاق الخدمة المدنية)،
أن يكون لها استقلال، وتقوم بتقديم تقاريرها إلى أعلى سلطة، وبشكل مباشر، وليس من خلال أي جهة؛ سواء كانت تشريعية، أو تنفيذية، وكذلك العمل على تحقيق العدل، واقتلاع الحِرمان من جذوره، باعتباره أحد الموارد التي تغذي الفساد الإداري والاجتماعي من خلال (العمل والإنتاج).