بقلم/ محمد مأمون ليله
من ألطف أنواع الحب أن لا تعرف من تحب، ولا يتميز لك محبوبا، ولا تدري نفسك فيمن هامت؟ ولا بمن هامت؟ حتى تكون كما قال القائل:
علقت بمن اهواه من حيث لا أدري….. ولا أدر من هذا الذي قال لا أدري
فقد حرت في حالي وحارت خواطري….. وقد حارت الحيرات في وفي أمري
– ولا يقال للمحب حينئذ لم قلت كذا؟ أو لم فعلت؟
لأن كلامه جاء إليه؛ فهو ينطق على لسان من يحب، وكلام القلوب لا يحاسب عليه حتى يبديه، فما بالك إذا نطق به وجدا، وكانه ليس هو!
– ولسان حال المحبقوله: إنما جعلتك حجابا بيني وبين من أحب، حتى لا يعرف احد من احبّ، فيكون ما بيننا كنظارة ألبسها أرى بها من أحب، وتحجب الناس عن رؤية من أحب، وهذا من منازل الحب العليا، ولعلها تكون اصطفاء، حيث يبدل الحب إلى حب، ويمسي الحب الذي كان ليس بحب!
– وإن للمحب أحوالا، منها الخرس والدهشة:
فلا تجد محبا إلا ويخرس في بداية حواره مع من يحب، خاصة بعد طول غياب؛ لأنه يسمع بقلبه أولا، ولا يجوز أن يتحدث عضو مع القلب، كما لا يتحدث أحد من رعية الملك في حضوره؛ ولأن الكلام الأول غذاء الروح والقلب!
ولهذا؛ فلا يستطيع المحب أن يسلم بحرارة، وربما تعدى حاله السكوت؛ فأصابه الإغماء والبكاء الطويل!
– ومنها الذل، فما تجد محبا إلا وعليه أثر الذل والحزن، ولا تجده إلا وقد ذل لمن يحب، والكبر من ذوى الهوى عجز!
– وقد يصل الأمر بالمحب حتى يشغله الحب عن من يحب، فلو أتى إليه من يحب لم يلتفت إليه،وهذا الفعل نقيض المحبة، فشـأن المحبة الاتصال، ولكنه قد يدل على شيئ خطير وهو .. !
– وإن المحب لا إرادة له مع من يحب، فهو كالجماد بين يديه يحركه كيف يشاء؛ فالحب يميت النفس؛ لتنطلق الروح، فما بالك بمن ماتت نفسه، ويعيش بروحه التي هي من امر الله تعالى؟!
– وإن المحب مقتول لا دية له، وميت في الحقيقة وإن رأيته حيا!