د/مايسه عبدالحى شعيب
قصة ممثل دفع ثمن مُعارضته للسادات: قال عنهُ شقيقه «عاش خائنًا ومات غريبًا»
في الستينيات من القرن الماضي، اشتهر الممثل عبدالغني قمر بدور الرجُل الصعيدي، مثلما كان في فيلم «30 يوم في السجن»، وتحديدًا دور «نجعاوي» الذى اشتهر بهِ عبدالغني لسنوات طويلة، وعلى الرغم من خفّة الأدوار السينمائية التي اشتهر بها عبدالغني إلا أن حياة انتهت نهاية مأساوية لا تُشبه مشواره أبدًا.
انحدَر عبدالغني قمر من أسرة فنية، فشقيقه السيناريست، بهجت قمر ، والد الشاعر أيمن بهجت قمر.
في بداية حياته المهنية عمل عبدالغني قمر موظفًا بالجمارك، ثم اتجه إلى الفن، فالتحق بفرقة المسرح المصري الحديث بوظيفة ممثل، ثم انضمّ للفرقة القومية وفرقة إسماعيل يس، وقدمه للسينما والمسرح المخرج، زكي طليمات، ولكثرة الخلافات مع مكتشفه والتطاول على مربيه، غادر المخرج مصر إلى دولة تونس وكانت بدايته في السينما.
وشارك في بطولة أكثر من 40 فيلمًا، أبرزها «ورد الغرام»، «من القلب للقلب»، «صراع في الوادي»، «شيطان الصحراء»، «درب المهابيل»، «شيطان الصحراء»، «رابعة العدوية»، و«بنت الصياد»، وفي السبعينيات، سافر عبدالغني قمر إلى ليبيا للاشتراك في فيلم «الرسالة».
في مايو 1955، نشرت مجلة «الجيل الجديد» بباب تحت عنوان «ليالي القاهرة»، الذي ينشر الأسرار الخاصة بالفنانين والفنانات، خبر اتهام الممثل عبدالغني قمر بتهمة «الإخراج»، حيثُ يقول الخبر: «في إحدى سهرات القاهرة، ظهر الممثل عبدالغني قمر الذي أبلغته نقابة المهن السينمائية أنه مقدّم للتحقيق والمعاقبة وفقًا للقانون الجديد، لأنه زاول مهنة الإخراج في الإسكندرية دون أن يكون عضوًا في النقابة».
وأضاف الصحفي، مفيد فوزي، صاحب باب «ليالي القاهرة» قائلًا: «واعترف عبدالغني قمر بأنه قام بالإخراج العمدي فعلًا، ولكنه اضطر إلى ذلك لأن المخرج الأصلي تخلى عن إخراج الفيلم، فاضطر هو لاستكماله، ثم شرح للنيابة ظروفه وأثبت أنه ارتكب جريمة الإخراج خطأ وليس مع الترصد وسبق الإصرار».
لم تكُن جريمة «الإخراج» هي الجريمة الأولى التى واجهها عبدالغني قمر في حياته، فمع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، قامت القوات البريطانية بإنشاء إذاعة في قبرص اسمها «صوت مصر الحرة»، وبسبب استقالة جميع المذيعين العرب من «إذاعة الشرق الأدنى»-التي كان مقرها قبرص أيضًا- اضطرت القوات البريطانية لاستخدام عدد من الأجانب المتحدثين بالعربية ليقدموا البرامج التي تهاجم الحكومة المصرية وتدعو الشعب المصري للانقلاب عليها، لكن المصريين لم يهتموا بتلك الإذاعة واستمروا في مقاومة العدوان.
وبعد قيام الرئيس الراحل، محمد أنور السادات، بزيارة القدس، عارضته أغلب الدول العربية وتزعم صدام حسين، نائب رئيس جمهورية العراق آنذاك، ما يسمى بجبهة الرفض العربية، متصورًا أنه يستطيع أن يأخذ مكان مصر بين الدول العربية.
وقام صدام حسين باستقبال عدد من الفنانين والإعلاميين المصريين الذين يعارضون سياسة الرئيس السادات ليبدأوا في مهاجمة الحكومة المصرية وسياساتها من هناك، وتم إنشاء إذاعة «صوت مصر العروبة» برئاسة الممثل، عبدالغني قمر، لتبث برامجها من بغداد، وكانت البرامج تنقسم بين السخرية من شخص الرئيس السادات وزوجته وبين انتقاد جميع تصرفات الحكومة المصرية، ولكن لم يكن لها تأثير يُذكَر في الشارع المصري.
وبعد اغتيال الرئيس السادات، تغيّرت السياسات، خصوصًا بعد تورط صدام حسين في الحرب مع إيران واستعانته بمصر لتقدم له دعمًا عسكريًّا، وتم إغلاق إذاعة «صوت مصر العروبة» وبقي عبدالغني قمر في العراق حتى مات في مطلع الثمانينيات، ووصفهُ شقيقه الأصغر الشاعر، بهجت قمر، برأي قاسٍ قائلًا إنه «عاش خائنًا ومات غريبًا».