كتب لزهر دخان
إسمه نواس. أو لنذكره كله فيكون إسمه هو الحسن بن هانئ الحكمي. غالبية العرب يعرفون أن هذا الإسم . لشاعر عربي من أشهر شعراء عصر الدولة العباسية ولآنه قد صار محبوبا مرغوبا فيه وفي إطلالته الأدبية على عروبتنا المعاصرة لا شك أن بعض العرب يعرف عنه باقي نسبه كما يعرفون كنيته . ويكنى أبو نواس بأبي علي وأبي نؤاس والنؤاسي. أما ما قد عُرف عنه فهو كما أشرت الشعر .أو لنقل شاعر الخمر الذي تاب عما كان فيه . ثم وبعدما تاب عاش زاهداً ومن زهده قد أنشد الأشعار التي تدل على توبته في جمال شاعريتها وكمال عذوبتها.
أيضاً إحتفظت العرب بأجزاء أخرى مهمة من تاريخ أبو نواس .وقد بلغنا اليوم أنه (أبو نواس ) وهو أبو علي الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصباح الحكمي المذحجي . وقد أنجبه عربي دمشقي وأمٍ أحوازية ولد لهما أبو نواس في الأحواز وهي مدينة من بلاد عربستان . رأى فيها شاعر الخمر النور سنة 145هـ / 762 م .
ووفق تاريخه كانت حياته فيما بعد الهزيمة التي مني بها مروان في معركة إسمها الزاب الأعلى . انتقلت أسرته الشاعر إلى البصرة . كان الطفل أبو نواس يبلغ الثانية من عمره . وفي رواية أخرى قيل في السادسة . وما هي إلا أيام قليلة بعد هجرة الأسرة حتى توفي ربها . وإنشغلت ربتها بتربية أو نواس ،الذي أشركته أمه في كتاب ليتعلم . ثم أودعته لدى عطار يستأجره ويعلمه صنعة . كان في البداية يبري عيدان الطيب . وكانت رحلته العملية الأولى من الأهواز إلى البصرة في العراق . وسنه آن ذاك ستة أعوام. وعندما حكم بنو العباس سافر أبو نواس من البصرة إلى الكوفة . وفيها قابل والبة بن الحباب الأسدي الكوفي .وهو من الشعراء اللامعين في ميدان الخلاعة والتهتك . ومعنى والبة هو العناية . إذ عمل على تأديبهِ وتخريجهِ. وأيضا رافق شاعر الخمر الشعراء الماجنين كمطيع بن إياس والشاعرحماد عجرد. قبل أن ينتقل إلى بادية بني أسد حيث. أقام بينهم حول كامل ليتمكن من صقل لغة يأخذها من منابعها الأصيلة. كما تقول سيرته أنه رجع إلى البصرة وتلقى العلم على يد علمائها كالأدب والشعر.
في الطريقة التي تعلم بها أبو نواس الشعر يظهر نوعا من أجود أنواع تعلم الشعر . فقد كان معلمه يطلب منه عدم قول الشعر قبل أن يحفظ عن غيره من الشعراء جملة مفيدة على الأقل . وقد طبق أبو نواس الخطة وأصبح بفضلها بارعا وقد قال معلمه أنه ما رأى شاعرا أذكى من الذي ما قال شعرا قبل أن يحفظ دواوين ستين سيدة من العربيات وقد روي عن أبي نواس قوله: “ما ظنكم برجل لم يقل الشعر حتى روى دواوين ستين امرأة من العرب منهن الخنساء وليلى الأخيلية فما ظنكم بالرجال؟”
حكايته مع السلطان كانت مثيرة للجدل تليق برشيد شعر عاصر رشيد عرش وخلافة . هذا لآن أبو نواس كان شاعرا لدى بلاط هارون الرشيد الذي رأى فيما رأى في أكثر من مرة أن يكون السجن هو جزاء شاعره الماجن . وتقول سيرتهما أن أبو نواس نجى ذات مرة من سجن هارون الرشيد بشفاعة من البرامكة . الذين له في رقبتهم دين يتمثل في قيامه بمديحهم . فور نجاته من سجن الرشيد سافر أبو نواس نحو دمشق ثم إلى مصر متجهاً إلى الفسطاط، عاصمتها يومذاك، واتصل بوالي الخراج فيها الخصيب بن عبد الحميد فأحسن وفادته وغمره بالعطاء فمدحه بقصائد مشهورة. وعندما توفي الرشيد عاد أبو نواس إلى سجنه بالمعنى الأصح. لآنه قد سافر إلى بغداد مجددا وهناك طلب القرب من الأمين الذي لم يبخل عنه بإشراكه في مجلسه وقد حدث بينهما نفس الذي كان بين الخليفة الرشيد وشاعر الخمر . فسجن الشاعر مجددا . وبعد وفاة الأمين رثاه أبو نواس بما وجد فيه العرب صدق عاطفة يكنه الشاعر للخليفة الراحل.
أبو نواسٍ توفي في عام 199 هـ / 813م وفاته حدثت قبل دخول المأمون إلى بغداد . ولا يعرف حتى الأن مكان وفاته .أكانت في السجن أو دار إسماعيل بن نوبخت. كذلك إختلف العرب بعده بسبب وفاته.التي قيل إن إسماعيل هذا قد سمهُ تخلصاً من سلاطة لسانهِ. وذكرالخطيب البغدادي في كتاب تأريخ بغداد في جزئه السابع في صفحته 448 . ذكر أبو نؤاس المدفون في مقبرة الشونيزية في الجانب الغربي من بغداد . في تل اليهود وهو مكان إسمه حاليا مقبرة الشيخ .
ويقال أن بعض أصحابه رأوه في المنام فقال له أحدهم : ما فعل الله بك ؟ فقال: غفر لي بأبيات قلتها في النرجس: من قصيد ورد فيه /قصيدة/ تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات بأبصار هي الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك
كما يُنسب له قوله : غفر لي بأبيات قلتها وهي تحت وسادتي فجاؤوا فوجدوها برقعة في خطه:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمت بأن عفوك أعظم
أدعوك ربي كما أمرت تضرعاً فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
إن كان لا يرجوك إلا محسن فبمن يلوذ ويستجير المجرم
مالي إليك وسيلة إلا الرجا وجميل عفوك ثم أني مسلم
وفي كأسه وسبب عدم يأسه قالت رأسه :
أثْـنِ على الـخَمْـرِ بآلائِهـا وَسَمِّهـا أحـسَـنَ أسْمـائِهَا
لا تـجْعَـلِ الماءَ لَها قاهـراً وَلا تُسَلّطْهـا على مَـائِهَا
وقال كذلك
الشُربُ في ظُلَّـةِ خَمّـارِ عِندي مِنَ اللَذّاتِ يا جاري
لا سِيَّما عِنـدَ يَهودِيَّـةٍ حَوراءَ مِثلَ القَمَرِ الساري
تَسقيكَ مِن كَفٍّ لَها رَطبَةٍ كَأَنَّهـا فِلقَـةُ جُـمّارِ
حَتّى إِذا السُكرُ تَمَشّى بِها صارَ لَها صَولَـةُ جَبّارِ