بقلم هشام صلاح
إنه أيقونة الإبداع السودنية الشاعر الهادى آدم الجوهرة السمراء الذى يعتبره النقاد السودانيون أنه ظل لعقود في مصاف الشعراء الكبار، ليس على مستوى السودان، وإنما على مستوى العالم العربي. ورغم انتمائه لجيل سابق للحركة الشعرية المعاصرة، فإنه يعتبر من الشعراء المحدثين.
لقبه البعض بأنه ” صاحب القصيدة التى سجنته “
** مولده ودراسته – كان مولده في مدينه الهلالية في السودان تخرج في كلية دار العلوم جامعة القاهرة حاصل علي درجة الليسانس في اللغة العربية وآدابها، وحصل علي دبلوم عال في التربية من جامعة عين شمس، ثم حصل علي الدكتوراه الفخرية من جامعة الزعيم الأزهري بالسودان وعمل معلم بوزارة التعليم.
وهو واحد من المعلمين القدامى في السودان في شتى المراحل الدراسية، يشهد له النقاد ودارسو تاريخ الأدب في بلاده، بأنه من اوائل الذين ساهموا في نهضة الشعر في البلاد، من خلال الجمعيات الأدبية التي كان يشرف عليها في المدارس التي عمل فيها في شتى بقاع السودان.
اتجاهه الأدبي
الهادي آدم لم يتأثربمدرسة شعرية واحدة، كذلك لم ينتم لتيار سياسى كما أقرانه من الشعراء السودانيين الذين درسوا بمصر ” كالفيتوري ومحيي الدين فارس وتاج السر الحسن ” المعروفين بيساريتهم الواضحة ،
اعتُبٍر رائدا في التمثيل الشعري في السودان بمسرحيته الشعرية «سعاد» التى كتبها دعما منه لتحرير المرأة من التقاليد البالية التي تؤثر على تقدمها.التي خرجت الى النور عام 1955وأهداها الى الاتحاد النسائي
أعماله
للهادى آدم شعر فياض وله دواوين، لعل من أشهرها «كوخ الأشواق»، أعده النقاد من أفضل ما قدم للأدب وللمكتبة السودانية، ومن أشعر قصائده ذيوعا قصيدة ” أغدا القاك ” التي غنتها كوكب الشرق ام كلثوم.
” أغدا ألقاك ” القصيدة التى عاشت لتسجن صاحبها
زعم البعض أن الشاعر السودانى الكبير الهادى آدم كتب قصيدة ” أغدا ألقاك ” فى فتاة مصرية أحبها أثناء دراسته بدارالعلوم وتقدم للارتباط بها فرفضته أسرتها ، بعدها عاد إلى السودان مؤثرا العزلة ، ثم ما لبث أن جاءه الخبر البهج بموافقة والد الفتاة على زواجه من ابنته ومن شدة سعادته كتب رائعته :
أغدا ألقاك يا خوف فؤادى من غد
يا لشوقى واحتراقى فى انتظار الموعد…
ثم ذهب بعض المبالغين إلى أن الهادى ذهب إلى النوم متلهفا للصباح للسفر لمحبوبته لانفاذ كلمة قلبه لكنه فارق الحياة. — هذا ما كتبه البعض
والحق أن ما ذهبوا إليه بعيد كل البعد عن الحقيقة ، لأن شاعرنا الهادى آدم عاش سنوات طوال بعد كتابة القصيدة حتى أنه توفى عن عمر يناهز الثمانين عاما عام 2006.
أما الحقيقة فهى –
أن شاعرنا فى ليلة انتظار لقاء مرتقب قصيدة بعنوان (الغد) وكان دائما ما يحملها فى مذكرة معه جاء مطلع القصيدة يقول :
أغداً ألقاك
يا لهف فؤادي من غد
وأحييك ولكن
بفؤادي أم يدي
وبعدها بسنوات ضمنها ديوانه الأول (كوخ الأشواق) الذي لم ينتشر كثيراً !
** مولد الصدفة
بعد خمس سنوات من صدور الديوان وفي العام 1970 كانت زيارة كوكب الشرق للسودان حيث غنت هناك حفلتين من خلال حملتها لدعم المجهود الحربي في مصر بعد النكسة ، بعدها كوكب الشرق حاملة فى صدرها مشاعر حب صادق للاشقاء السودانيين ، مالبثت بعدها أن قررت أن تقدم شيئاً للسودان.. اقترح عليها أحدهم أن تغني لتلك البلاد، لكن أم كلثوم قالت لا بل سأغني لشاعر سوداني فكلفت الصحفي ” صالح جودت ” بترشيح عدد من النصوص لتختار أحدها لغنائه.
يقول صالح جودت عن ذلك:
( طفت بمكتبات القاهرة واستعنت بالأصدقاء فتجمعت لدي سبعة دواوين لسبعة شعراء، ومضيت أدرسها ثم اخترت من كل منها قصيدة تتوفر فيها الصلاحية الغنائية، وأرسلت القصائد السبع لأم كلثوم لتفاضل بينها).
سألته أم كلثوم عن القصيدة التي اختارها تحديداً، وقالت له : ” سأقول لك بعد ذلك ماذا أعجبنى.. فقال: قصيدة ” الغد ” للهادي آدم.. وبروحها المعتادة قالت:
«برافو علي» فهذه هي القصيدة التي اخترتها.
تم الاتصال بالشاعر وإبلاغه بذلك.. كان الخبر عظيماً بالنسبة له، ثم طلب من الهادي آدم السفر إلى القاهرة للقاء الموسيقار محمد عبدالوهاب وأم كلثوم لمناقشة التعديلات التي تلائم اللحن!
بدأت التعديلات وخرج النص نصّ آخر غير ذلك النص الذي كتبه في لحظة شاعرية صادقة..
** والسؤال المحير
هل يمكن اعتبارالهادي آدم خائنا لمشاعره ونصه من أجل مجد تسجيل اسمه في قائمة شعراء أم كلثوم.!؟
حيث جاء باسم مختلف (أغدا القاك؟) ومطلع يقول:
أغداً ألقاك؟ يا خوف فؤادى من غدي
يالشوقى واحتراقى فى انتظار الموعدِ
آه كم أخشى غدي هذا وأرجوه اقترابا
كنت أستدنيه لكن هبتهُ لما أهابَ
وأهلّت فرحة القرب به حين استجابَ
هكذا أحتمل العمر نعيماً وعذابا
مهجة حرى وقلباً مسه الشوق فذابَ
وبعد نجاح الأغنية عرفت الساحة الأدبية شاعراً عظيماً اسمه الهادي آدم، لكنه المثير للدهشة أنه استمر أسيراً لنجاح ذلك النص، ولم يستطع تجاوزه مما جعله يشترط قبل أي لقاء صحفي معه عدم سؤاله عن ذلك النص أو الأغنية.
بعد سنوات خرجت المجموعة الكاملة والتى حاول الهادي آدم من خلال نشرها أن يكفر عن ذنب خيانة مشاعره وذلك بوضع النص الأصلي في الديوان وبنفس عنوانه القديم (الغد) لكن ذلك لم يلفت الأنظار إليه!
وما أشد العجب لنص كاد أن يموت دون أن يعرفه أحد، لكنه عاد ليتصدر المشهد باسم جديد، وشكل جديد بعد أن تخلى عن سمته القديم ليعيش إلى الأبد مقررا أن يسجن شاعره داخل قيود تلك التعديلات ليبقى إلى الأبد (شاعر أغداً ألقاك .. الهادي آدم) وبغير هذا التعريف لا يعرفه احد.