ذكرياتي مع الحج
بقلم / كواعب أحمد البراهمي
عندما كنت في عمان, وكان مضي علي عملي عامين بأول مكتب عملت به , قررت أن أذهب لأداء فريضة الحج , وسألت أحد الموكلين العمانيين والذي كان لديه قضية بالمكتب , فبادر بالإتصال بالمسئول عن الحملة التي ذهب معها من عام , وجعلني أتحدث معه , وقال أنه لا مشكلة في موضوع السن حيث سيتدبر الأمر ويضمني إلي عائلة مصرية بالإضافة إلي أن المجموعات لا يدققون فيها علي موضوع السن . وقال لي المسئول عن التكلفة فوجدت أن المبلغ الذي معي يكفي بالكاد الرحلة مع مصاريفي الشخصية , وأنني سوف أذهب برا , فلا يوجد تذاكر طيران حاليا .
وكنت في تلك الفترة قد تعاقدت مع مكتب آخر غير المكتب الذي أعمل به وأستعد للإنتقال إليه للعمل به , وفعلا ذهبت لإستلام العمل بالمكتب الجديد والذي كان بنفس الراتب . ولكن كان يجب أن يقوم كفيلي بالمكتب الأول بعمل إجارات السفر والموافقة لأنني أحتاج وقت لنقل الكفالة , وكان الوقت في غير صالحي , وقام الكفيل الأول بعمل الإجراءات , وتم الحصول علي تأشيرة , وسعدت جدا جدا بحصولي عليها .
وأتصلت بأمي لأخبرها فحاولت إئنائي عن الذهاب والإكتفاء بعمل عمرة , لأن كل سنة الناس تموت بالحج سواء في رمي الجمرات أو في مني , وكانت تتصل كل يومين لتسألني هل لغيت الفكرة أم لا ؟ وكنت أعذرها لأن جدتها لأمها الحاجة لطيفة توفيت وهي راجعة ودفنت في طور سيناء , وتوفي أبنها الذي كان معها بعد عودته للبلد وكانت تلك الجدة قد قامت بزيارة قبر والدها الذي هو مدفون في البقيع بعد أن أنهي مراسم الحج في عام سابق . بالرغم من ذهاب والدها وعمها وكثيرون وعادوا سالمين .
وأنا لا أعرف أن كنت مخطئة أم علي صواب حيث أنني أفهم الآية التي تقول ( ولله علي الناس حج البيت لمن إستطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين )
فأنا في إعتقادي أن من إستطاع ماليا وجسديا يجب أن يذهب قبل شراء منزل أو شراء سيارة , لأن الله يقول ومن كفر فإن الله غني عن العالمين , أي أن الله لا يحتاج منا إلي أن ننفق نقودنا علي الحج له سبحانه هو , وإنما هي فريضة تجب مع الإيستطاعه إنما هو جل وعلا غني عنا وعن حجنا .
المهم إنتقلت للمكتب الجديد , وكنت أخرج بعد فترة العمل بالمكتب وأيام الأجازات لشراء ما يلزم للحج , وقبل الذهاب بيومين أتصل بي مسئول الحملة وأبلغني أن صفاء ( لا أعرفها ) لغت الرحلة هذا العام , وأنه توجد تذكرة طيران سعرها تقريبا يعادل ثلثي تكلفة الرحله كامله , ولم يكن معي المبلغ ولكن إقترضت , وقبل ذهابي وضعت ما معي من ذهب داخل مظروف وكتبت إذا لم أعد فسيكون هو ثمن تذكرة الطيران , فلا يكون في رقبتي دين .
وشاء لي الله وذهبت ومن أول يوم وأنا في مواقف كوميدية وغريبة فعندما ذهبت للمطار الساعة الثامنة صباحا علي أساس ستقلع الطائرة السعودية الساعه الثانية عشر ظهرا , ومرت الساعة الثالثة عصرا ولم تأت الطائرة لأن السعودية لديها رحلات كثيرة ونقص بالطائرات , وسترسل طائرة كبيرة تكفي عدد كبير جدا من الحجاج وخيرونا بين الذهاب للمنازل لمن يريد أو الذهاب لفندق هيوليدي إن ,والذي قام الطيران السعودي بحجزه نظرا لتأخر الطائرة فأخترت الذهاب للفندق لأتواجد مع المجموعة خوفا من عدم اللحاق بهم أو لأي طارئ , وختمنا الباسبور خروج من المطار بنفس اليوم , ودخلت غرفتي وتوجهت للسرير ولم أستيقظ إلا المساء وما أردت أتحدث مع أحد لأن محرمة ولا أريد أن اضيع حجتي لأي سبب كان , وحتي لو كانت كلمة .
وكنت جائعة فأخرجت بعض المخبوزات الجافة والعصير والرايب , وخشيت أن اطلب شاي من الفندق فيريدون الحساب وكل ما معي ريالات سعودي . وفي الساعه الواحده صباحا أتصل بي موظف الريسبشن لأخباري الإستعداد والنزول لأن الباص سوف يقلنا للمطار الساعه 2 صباحا . فنزلت ووجدت كل النساء في الإستقبال والرجال خارج الفندق , وسألت أحدي السيدات هل ممكن أطلب أكل فقالت لي أنهم أتغدوا وإتعشوا بوفيه مفتوح , كنت سأبكي لأن المخبوزات الجافة لم تشبعني , المهم أقلعت الطائرة ووصلنا مطار المدينة المنورة , وكل فرد في الرحلة أخد متعلقاته , وبقيت أنا ومجموعتي 5 أفراد غيري نبحث عن شنطتي الثالثة والتي أشتريتها خصيصا ليلة السفر لأضع بها العصير والألبان والطعام الجاف , ولم يبق من الشنط إلا قليل وكلما أشاروا لي علي شنطة أنكر أنها هي , حتي ملوا من الإنتظار وذهب شخص وفتح الشنطة فكانت شنطتي ولكنها كانت لها لونين وأنا فاكرة أنها زرقاء ولكنها كانت في جانب منها بنية , فلم أتعرف عليها .
ووصلنا للمدينة ومسجد الرسول صل الله عليه وسلم وبدأنا المناسك وكان معي كأخوة لي الحاج عمر عليه رحمه الله , وزوجته وجنسيتهما سورية , وأيضا زوج وزوجة مغربيان وطبيب مصري , وثلاث اسر كاملة مصرية مع أطفالهم .
ومكثنا بالمدينة يومين فقط يوم الوصول وثاني يوم والحمد لله صلينا بالروضة الشريفة , ثم توجهنا في اليوم الثالث إلي مكة والغريب أن الرحلة إلي مكة أستغرقت من الثامنة صباحا وحتي الثانية عشر ليلا , وكان الباص غير مكيف وصغير ومتعب جدا , ووصلنا أمتعتنا إلي السكن وذهبنا لطواف القدوم ,وما سعدت قدر سعادتي برؤية الكعبة المشرفة .
وكنت أمسك بيد كوكب السورية في أول طواف حول الكعبة وكنت أراها من بعيد في الشوط الثاني , وفقدتها في الشوط الثالث , وأكملت بمفردي حتي الطواف السابع وذهبت للصفا والمروة . وخرجت وأخذت تاكسي للسكن , وظل السائق يبحث عن العنوان ويتصل بالسائقين دون جدوي , فأتصلت برقم موجود علي الكارنية الذي في رقبتي وقال لي أمامه ساعه حتي يأتي وظللت بالتاكسي حتي أتي وأكتشفت أني بنفس الشارع ولكن لا أعرف المنزل , وطبعا السائق أخذ حقه بالزيارد لطول الإنتظار . وأكتشفت في الصباح أن كوكب أيضا تاهت من زوجها وعادت بمفردها في شروق الشمس .
أما أجمل يوم أشرقت عليه شمس في حياتي كان يوم وقوف عرفات , فحتي لو تكرر بإذن الله فلن يكون بنفس الشعور , لأن الحزن لم يكن يعرف قلبي كما أصبحت بعد فقد عبد الناصر الله يرحمه .
ثم ذهبنا إلي مني , وللأسف وضعوا مجموعة كبيرة جدا من النساء في خيمة صغيره وبدأ الجدال والصوت العالي وربنا وفقني بإقناعهم بأنه لا يضيعوا الحج بجدالهم , فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج والحمد لله تحول الجدال إلي بكاء فسمع الرجال البكاء في الخيمة الأخري فتنازلوا لنا عن نصف خيمتهم وغيروا الحواجز , وكنت قد أخترت أول مكان بجوار الممر مباشرة لأني لا أحب التكدس والتنفس في مجموعة وذلك سبب لي برد وكحة قوية حيث الجو بارد ليلا .
ويوم عرفات أيضا فقدت المجموعة من أول النهار وقلت لا بأس سوف أتقابل معهم بعد غروب الشمس , ولكن ظللت حتي العشاء في جبل عرفات ولم أعثر عليهم , فركبت باص آخر مع بعض الحجيج المصرييين أيضا حتي وصلت في الصباح إلي مكة .حيث قمت بطواف الإفاضة .
وفاجأنا مسئول الرحلة بتقديم السفر يوم ويجب علينا طواف الوداع ومن يريد يأخذ ماء زمزم , ونهضنا مسرعين نتحرك في كل الإتجاهات لأننا سنذهب للمطار الثالثة فجرا متقدين 24 ساعة عن موعدنا الأصلي , ولم أستطع عمل عمرة لأبي كما كنت أنوي .
وأنتهت الرحلة بخير وسلام وعدت إلي عمان , بعد العيد لأن الرحله كلها كانت عشرة أيام بأيام السفر .
فوجدت أننا لازلنا في أجازة العيد فأتصلت بشركات الطيران ووجدت تذكرة ذهاب وإياب بعد أسبوع علي طيران العربية اللبناني لأصل الأقصر والذي له ترانزيت في الشارقة .
وقلت ما مشكلة يكفي أفرح مع أهلي بالحج . وكتبت في تذكرة العودة بخط يدي الذهاب لمطار الأقصر الساعه 12 ليلا يوم الخميس للاقلاع الثالثة فجرا فأصل الجمعة ليلا لأذهب إلي عملي السبت , ففي تلك الفترة كانت الأجازة خميس وجمعه . ووضعت التذكرة بحقيبة السفر . وفرحت مع أهلي وذهبت أنا وعبد الناصر لزيارة صديق والدنا المرحوم الشيخ سعد محاريق تقريبا الساعه السادسة مساء اليوم الذي يجب أن أسافر فيه , وكانت كل قناعاتي أن السفر الثالثة صباحا أي ظهرا وليس فجرا .
ومكثنا فترة , واستعديت للسفر , وذهب معي أخي محمد وأخي عبد الناصر الله يرحمه لمطار الأقصر صباح اليوم التالي وما أن قدمت التذكرة للمسئول حتي قال لي أنتي ما فتحتي التذكرة , ده أنتي بنفسك كاتبة بالقلم الذهاب للمطار ليلا , طائرتك أقلعت فجرا .
فسألته عن حجز علي نفس الطيران فقال أسألي في المكاتب فوق , وذهبنا أنا ومحمد وسألت وما وجدت غير بعد شهر بعد إتصالي بمكاتب الشركة بالسلطنة , فقلت لهم أنا أستلمت عملي بمكتب جديد ولو جلست شهر سيرفدوني , وتعاطفوا معي وقالوا لي يوجد تذكرة علي طيران القطرية , فأحجزيه الأن وستقلع الساعه الثالثة ظهرا , ولم يكن ما معي ومع أخي يكفي للحجز فذهبت لماكينة المطارAtm ورفضت إخراج أي مبالغ , فقالوا لي خذي تاكسي وأذهبي سريعا لماكينة البنك وتركنا عبد الناصر مع الشنط وذهبنا بتاكسي لماكينة البنك وساعدنا موظف موجود خارج البنك في السحب حيث البنك عطلة , وأشار علينا أحجز تذكرة من مكتب حجز طيران بجوار البنك والمكتب يبلغ المطار كي لا تقلع الطائرة . وفعلا تم كل ذلك وكنت أخر شخص يدخل الطائرة .
وذهبت إلي مسقط وكنت قد نزلت في 8 مطارات في 18 يوم تقريبا مسقط – المدينة ثم جدة – مسقط ثم مسقط – الشارقة ثم الشارقة -الأقصر ثم الأقصر – الدوحة ثم الدوحة – مسقط – حتي أصبت بدوار بسبب عيب بالأذن الوسطي .
وذهبت إلي العمل صباح اليوم التالي لوصولي , وكان الكفيل الجديد والمحامين بالمحكمة وقابلت المنسقة العمانية ( السكرتيرة ) بمفردها بالمكتب وسلمت عليها ثم وجدتها تبكي وتقول لي أريد أعطيكي شيئا لكن أنا مش عارفه كيف , فقلت لها ماذا حدث فقدمت لي ورقة وقد زاد بكاؤها , وقرأت ما بها فوجدت أنه نأسف لإنهاء خدماتكم لسفركم لمصر دون أذن , فنقح عليا العرق الصعيدي , ولم أهتم بقولها عندما نصحتني بأنه فقط يريد أن أعتذر أو أن أتعهد بعدم فعل ذلك وقالت لي أتركي الورقة وتعالي عصرا وقابليه هوشخص طيب , لكن يريد مني الإلتزام بالعمل ..
ولكن هيهات فأخرجت قلمي وكتبت علمت بالقرار واوافق علي إنهاء الخدمات مع حقي في مقابل الفترة التي عملتها بالمكتب , وظللت أواسي السكرتيرة وأقول لها سوف أجد عمل ولا تقلق وكلمات من هذه النوعية .
وذهبت وجلست بالمنزل , ثم بعد يوم بدأت أراجع تليفونات المكاتب التي كنت قدمت بها سابقا للبحث عن عمل , ووجدت مكتب سيبدأ في العمل وتحت التأسيس فألتحقت به براتب أعلي بالقدر الذي كنت سأنفقه في المواصلات , حيث المكتب الأول كان أقرب لسكني .فما زاد غير أني سأنفق وقتا أكثر في العمل والمواصلات .
وظلت علاقتي بالصديقة السورية للآن , وتمنيت أن أتواصل مع الذين ذهبوا معي في نفس الرحلة , ولكن لم يحدث , ولكن تبقي لهم معزة خاصة جدا حيث أنهم أصحاب أجمل رحلة بعمري .
وعلي فكرة في ذلك الموسم في ديسمبر 2007 لم تحدث أي حالة وفاة بسبب أي حادث بالحج . ولكن كانت حالات طبيعية وربما كانت لغير الحجيج
أطلت عليكم كثيرا بالرغم أنني أختصرت مواقف كثير …
وأتمني ربنا يكرمني بالعودة ويكرمكم جميعا بزيارة بته الحرام مرات ومرات ومرات . اللهم أرزقنا رضاك والجنة .