بقلم/ محمد مامون ليله
إن المصلح المجدد يرزق العلم والحكمة، ويلهم التوفيق والصواب في بداياته، فمن كان متفطنا؛ علم أن هذه علامات المصلحين القادمين! وإن لكل نهاية بداية، وأنوار الإشراق تلوح في الآفاق! {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } [القصص: 14] { وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ} [القصص: 19]
– شأن الطغاة أن يفرقوا الأمة ويمزقونها، ويستضعفون منها طائفة يحذرون الأمة ويخوفونهم منها، ويفسدون، ويستعلون بقوتهم، وهولاء يخرج لهم الله تعالى المصلح الذي يزلهم به، ثم يبيدهم بتدخل منه سبحانه. {نَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 4] – ليس كل ما تلتقطه وتظنه خيرا يكون كذلك لك، بل قد يكون فيه هلاكك، ولو بعد حين! {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8]
– يعقب الإلهام فترة يختفي فيها، حتى يحزن المرء ويغتم، لولا أن يثبت الله قلب صاحبه؛ لهلك حزنا وكمدا على خوفه من ذهاب الخير! وهكذا كل قرار قوي صارم يعقبه مخاطر، علامة كونه صوابا خوف صاحبه من عاقبته ثم تثبيت لقلبه يصيبه. {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص: 10]
– كل عارف لقدر نفسه، ينأى بنفسه عن معاونة المجرمين، ولا يسير في ركاب الظالمين، وهذه علامة المصلح. واما من هانت نفسه عليه أهانها تحت أحذية كل ظالم، وركبها كل جبار، ومن يهن يسهل الهوان عليه! {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص: 17]
– جواز الحديث مع المرأة الأجنبية عند الحاجة، وما لم تكن هناك فتنة. {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } [القصص: 23]
– حياء المراة يدفعها إلى عدم مخالطة الأجانب، وان المرأة الحيية تعرف من ابتعادها عن الرجال وإن كانت معهم في مكان واحد! {قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص: 23] – ذكاء المرأة في استعطاف قلب الرجل، بإثارة غريزة الرجولة فيه! {قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص: 23] – في عالم الإدارة والحرف، ينبغي ان يختار القوي الأمين، القوي في تخصصه، والأمين عليه وعلى من تحته، الذي يخشى الله ويراقبه، ومن كانت صفته هكذا؛ قام بالعمل خير قيام! أما الاختيار على أساس المحسوبية، والقرابة، والوساطة، والرشاوى؛ فلا يورث إلا الفساد في البر والبحر. {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: 26] {قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [القصص: 28] {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ} [القصص: 29]
– اترك الشيئ تعففا؛ يأتيك حلالا خالصا! لما ترك سيدنا موسى _ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- ترك أخذ الأجرة على السقيا للمرأتين عوضه الله خيرا فجاءته المرأة تقول: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص: 25] ولما غض بصره عن المراة تعففا، زوجه الله منها.
– يجوز عرض الرجل ابنته على الرجل الصالح للزواج بها، فعله الرجل الصالح مع سيدنا موسى – عليه السلام-، وفعله سيدنا عمر مع أبي بكر وعثمان – رضي الله عنهم.. {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ } [القصص: 27] بل ويجوز لفت المرأة نظر الرجل إلى امرأة قريبة منها؛ ليتزوجها، وفي صحيح البخاري عن أُمِّ حَبِيبَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لَكَ فِي بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ؟ قَالَ: «فَأَفْعَلُ مَاذَا؟» قُلْتُ: تَنْكِحُ، قَالَ: «أَتُحِبِّينَ؟» قُلْتُ: لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَرِكَنِي فِيكَ أُخْتِي، قَالَ: «إِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لِي»، قُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَخْطُبُ، قَالَ: «ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ»، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي مَا حَلَّتْ لِي، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا ثُوَيْبَةُ، فَلاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ.
– لفت البنت نظر أبيها -بشكل غير مباشر- إلى رجل صالح؛ ليعرض عليه الزواج منها. فإن البنت قالت: {اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) وكيف يستاجره ويتركه في البيت مع البنتين بدون زواج من إحداهما، وهو ضعيف إلا بالزواج؟ فكانت البنت ذكية جدا، وكان الوالد في غاية النباهة، فقال: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } [القصص: 26، 27].