أتعجب كثيراً من تصرفات بعض البشر، الذين يحللون لأنفسهم ما حرمه الله عز وجل ويُصِرون علي ذلك، ويفعلون من الأفعال ما لا يقبله الشرع ولا جميع الأديان، ويظنون في النهاية أنهم ملائكة تمشي علي الأرض، بل والأعجب عندما يقنعون أنفسهم بأنهم قليلو الحظ ويلازمهم النحس أينما ذهبوا.
أتعجب كثيراً من تصرفات الأم التي تفرق بين أولادها ، وتنحاز لولد علي حساب الآخر، وتقبل أن تأكل حقوق أحد أولادها لتعطيه للآخر ، بل وتتآمر عليه ، ثم تُحاسِب المظلوم علي بعده إذا إبتعد عنها بعدما أحس بالظلم وضاع حقه، واكتشف أن من تسبب في ذلك أمه لحساب أخيه.
هل الشرع يٌفَسَر وفقاً لأهوائنا؟ أم أن الحلال بَيِّن والحرام بين وكل منا علي علم بحدود المولي عز وجل. كيف تنام الأم مطمئنة عندما تحرم أحد أولادها من حقوقه لصالح الآخر، وكيف تُحاسِب المظلوم علي إبتعاده عنها، تحت شعار قطع الأرحام ؟ المشكلة الحقيقية في الفهم الخاطئ للدين ولتفسير العلاقات بين البشر، الكل يُفَسِره وفقاً لمصالحه، دون الرجوع إلي القصص التي قصها المولي عز وجل علينا لترشدنا إلي ما خفي عنا من أمور.
أمَر المولي عز وجل سيدنا إبراهيم بالهجرة والإبتعاد عن أبيه عندما تبين له أنه عدو لله، ومفهوم عداوة الله هنا يشمل الكثير من الأمور ، فالأمر لا يختص بالشرك بالله فقط ، فمن يجعل الشيطان وليه فهو بعيد كل البعد عن شعائر المولي عز وجل وهو عدو لله ، أمرنا الله تعالي بالعدل، فالظلم ظلمات يوم القيامة، واشترط العدل في كثير من الأمور بصور واضحة، أمر المتزوج بأكثر من واحدة بالعدل بين زوجاته وإن لم يستطع العدل فواحدة، كما أمر الآباء والأمهات بالعدل بين الأولاد، ولَم يترك الميراث للأهواء ضماناً لتطبيق العدالة والبعد عن الهوي.
ورغماً عن رفع المولي دعوة المظلوم إلي عنان السماء واعداً بالنصر ولو بعد حين إلا أن البعض يتجاهل ذلك ويُفرط في الظلم، ويُقنع نفسه بأنه علي صواب، وتتكرر الصور في العديد من التعاملات الإنسانية، فتشعر أنك في المولد كل يلعب بما يحلو له، تشاهد المحتال المحترف، والنصاب ذو الخبرة، والمرتشي الذي يقبل المال الحرام ويحمد المولي عليه ثم يتوضأ ويصلي بشكل طبيعي ، ولا يحاسب نفسه أو حتي يلومها.
صور أخري غريبة شاهدتها بنفسي لبعض الناس وهي تشهد الزور وهم علي علم كامل بحقيقة الأمور ويستعدون للسفر لقضاء فريضة الحج، دون وعي منهم بأنهم ذاهبون إلي بيت المولي عز وجل وقد شهدوا زوراً مع علمهم كل العلم بأن شهادة الزور من أكبر الكبائر ومن أعظم الذنوب يقول الله سبحانه وتعالي: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30]، ويقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.
مثال آخر لظالم محترف يحرم الناس من حقوقها ، والسبحة لا تفارق يده والمصحف دائماً في يده الأخري ، وملتزم كل جمعة أن يأخذ بركة الصلاة في أحد مساجد آل البيت ،،يخدع نفسه قبل أن يخدع الله، نحن في زمن المسخ، حيث تحول فيه بعض البشر إلي مسوخ تمشي علي الأرض دون تفكير ، يمشون في طريق الحرام البَيِّن، ويختبئون خلف ستار الأديان، ظاهرهم التقوي والإعتدال، وباطنهم الظلم والجبروت.
يتناسي هؤلاء المفهوم الحقيقي للدين،فجميع الأديان نهت عن الظلم وقول الزور وإهدار الحقوق، والدين ليس ركعات وسجدات تُقْضَي ، الدين المعاملة، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمؤمن من أمن جاره بوائقه، لن تدخل الجنة بصلاتك وصيامك وتحايلك علي الله عز وجل، كلنا نحيا تحت رحمة المولي ولن يدخل الجنة ظالم دون حساب ودون رد المظالم، فهنيئاً لكل مظلوم كان الله قاضيه ووكيله، وَيَا ويل كل ظالم ثبت ظلمه أمام الملك العدل.
يقول المولي عز وجل في ثورة الجاثية (قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۖ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ). والظلم أكبر إساءة قد يفعلها المرء لنفسه ، قد تظلم وتدمر بظلمك حياة الآخرين ، وربما أقرب الناس إليك وتندم يوم لا ينفع الندم، وتمر الأيام مسرعة وينغلق كتابك وتنتظر الميزان، يقول المولي عز وجل (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ).