قال الشعب السوداني كلمته واسقط البشير بعد حكم دام ما يقرب من 30 عاما وأعلن المجلس العسكري بقيادة عبد الفتاح برهان عن تشكيل مجلس عسكري لتمثيل سيادة الدولة وحكومة مدنية متفق عليها من الجميع خلال مرحلة انتقالية تمتد عامين كحد أقصى بجانب ما أعلنه أيضا من إلغاء لحالة الطوارئ وحظر التجول وهي القرارات التي كان قد أعلنها سلفه الفريق عوض بن عوف.
وفي خطوة أولية وعملية قرر المجلس العسكري إعادة هيكلة الجيش وجهازي المخابرات والشرطة مع قبول استقالة مدير جهاز المخابرات والأمن الفريق صلاح قوش و إطلاق سراح جميع الضباط من الشرطة والقوات المسلحة المتهمين بالمشاركة في الاحتجاجات وتعيين الفريق أول أبو بكر مصطفى في منصب رئيس المخابرات والأمن وإحالة وزير الدفاع الفريق أول عوض بن عوف للتقاعد وإقالة سفير السودان لدى واشنطن محمد عطا المولى و مصطفى عثمان إسماعيل سفير الخرطوم لدى الأمم المتحدة وإلغاء القوانين المقيدة للحريات والسماح للإعلام بمزاولة أعماله من دون قيود.
على الرغم من هذه الخطوات التي اتخذها المجلس العسكري إلا أن العديد من المراقبين يرون أنه ما يزال من المبكر للمحتجين أن يفرحوا وأن أحدا ليس بإمكانه أن يجزم حتى الآن بما إذا كانت البلاد ستمضي إلى حكم مدني أم إلى نسخة مشابهة لحكم البشير وحتى أسوأ منها.
عقب اجتماع بين المجلس العسكري وأحزاب الحوار الوطني أعلن المجلس العسكري أن (حزب المؤتمر الوطني) الذي كان ينتمي إليه الرئيس المعزول عمر البشير لن يشارك في الحكومة الانتقالية المقبلة وطالب القوى السياسية بتقديم رؤيتها للمرحلة الانتقالية خلال أسبوع وأعلن المجلس أيضاً تأييده لتولي شخصية مستقلة يتم التوافق عليها رئاسة الحكومة.
على الجانب الآخر اعتبر العديد من السودانيين خاصة من الناشطين وقادة الحراك الشعبي أن هذه القرارات لم تأتي بجديد وأنها مجرد لعبة يمارسها المجلس العسكري السوداني من أجل الالتفاف على مطالب الثورة السودانية وسط مخاوف من أن تستغل الفترة الانتقالية لتكرار نفس السيناريو المصري وشدد المحتجون وقوى المعارضة السودانية على تمسكهم بسبعة مطالب أبرزها حكومة مدنية بصلاحيات تنفيذية كاملة ومحاكمة عادلة لجميع المتورطين في الفساد وسفك الدماء وإعادة هيكلة جهاز الأمن التابع للنظام وإعادة جميع مقار حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا إلى الشعب.
ما يميز الثورة السودانية تنظيمها الجيد والإصرار على إسقاط نظام البشير ومشاركة قوى المعارضة الفاعلة وقيادة الاحتجاجات وتنظيم المسيرات والتظاهرات وتحديد أماكنها وشعاراتها ومشاركة السيدات والأطفال في الثورة ومقاطع الفيديو التي انتشرت لبعضهم على مواقع التواصل الاجتماعي وهم يرددون عبارات ثورية ضد البشير والتي حولتهم إلى أيقونات للثورة ساهمت في نقل صورة الحراك في السودان في أبدع صورة كان أخرها انتشار مقطع فيديو لشابة سودانية ترتدي الوي التقليدي السوداني وتعتلي سيارة وتحمل بيدها ميكرفون وتلقي قصيدة ثورية ما ألهب مشاعر المتظاهرين وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم تحت اسم “الكندانة” وهي تسمية تطلق على الملكات النوبيات قديما حيث وصفها المحللون بثورة النفس الطويل التي امتدت نحو أربعة أشهر وما زالت مستمرة رغم إعلان المجلس العسكري عزل البشير واتخاذ إجراءات من قبل المجلس العسكري للاستجابة لمطالب المحتجين.
الثورة مستمرة حتى تحقيق مطالبنا العادلة هذا هو لسان حل المحتجين السودانيين الذين يرون أن إجراءات المجلس العسكري لم ترتقي لطموحاتهم وقد تكون التفاف على الثورة والنيل منها مطالبين بتنحي الجيش مطلقا وتسليم السلطة إلى حكومة مدنية يختارها الشعب تعمل خلال فترة انتقالية للتحضير لانتخابات حرة ونزيهة تفضي إلى حكومة دستورية هدفها المحافظة على الدستور وموارد البلاد وإحداث نهضة اقتصادية والتخفيف عن كاهل المواطن السوداني.