بقلم :وحيد القرشي
قبل كتابة مقالي وكلماتي عن فساد المستشفيات الحكومية ,كنت أعلم جيدا علم اليقين وقد رأيت بعيني ذلك ,ان معظم المستشفيات الحكومية ,مجرد عنوان لمستشفي لا قيمة ولا معني له ,هو أسم فقط علي واجهة الباب ,وقد دخلت الكثير من المستشفيات ,وشاهدت أسوء ما رأت عيني من اهمال المرضي وسوء المعاملة للمريض ولأسرته ولمن يزوره ,فالأهمال واللامبالاة هما السمة السائدة في التعامل اليومى بين المرضى والعاملين، وهو ما ترتب عليه تأخر مصر الى المركز 66 على مستوى الصحة فى العالم وفق احصائية منظمة الصحة العالمية لسنة 2011,بجانب اهمال الاطباء وعدم وجودهم داخل المستشفيات ,انشغالا بعيادتهم الخاصة ,والتي وجدت للانتقام من المرضي وخاصة الفقراء ,وقد كتب الكثير من الصحفيين في الصحف بكافة أنواعها عن فساد المستشفيات الحكومية ,والارتفاع الذي لا حدود له في تسعيرة الكشف للاطباء ,ورودتني فكرة الكتابة والبحث في هذا الموضوع بين الحين والاخر ,ولكن لم اهتم ,وبعد ان سقط ابن الجيران الفقير من فوق السلم ,واصيب في وجهه ,وكدمت يده ,وذهبت امه مسرعة للمستشفي ,فلم تجد اي طبيب يسعف الطفل الصغير ,وتعاملوا معها أسوء معاملة ,فأسرعت به لدكتور في عيادته الخاصة ,وبعد الانتظار بالساعات تم الكشف علي الطفل ,وبعد ان افحم الدكتور ام الطفل في الاشاعات وتسعيرة الكشف ,طلب ان يجري عملية التجبيس لطفلها ,رغم ان الاشعة اثبتت عدم وجود كسر في اليد ,وطلبت منه الام ان يقلل من ثمن عملية التجبيس ,فرفض ,فقالت له سوف اذهب به للمستشفي لعمل تجبيس ليده ,لاني لا املك ثمن عملية التجبيس في عيادتك الخاصة ,فقال لها باسلوب وقح ,لو فعلتي ذلك لا تاتي هنا للمتابعة وامشي من هنا ,بهذا الكلمات والاخلاق يتعامل بها طبيب مع مريض يحتاجه وكل الاطباء في زماننا هذا يتعاملون بهذه الاخلاق ,فقررت الكتابة والبحث في هذا الموضوع ,لمعرفة هل يوجد قانون يحدد ثمن الكشف في العيادات الخاصة ويجرم من يتعد ذلك ,رغم انني اعلم ان كلماتي لن يقرأها احد ,ولن تصل الي مسئول وحتي ان وصلت سوف لا تجدي ولا تفيد ولن يهتم احد ,ولان العقل والعلم والدين اولا يقولوا لنا بكل بساطة ما بني علي باطل يقود الي باطل ,ولكن سوف اكتب لاخرج ما بداخلي علي الورق ,سمعنا كثيرا وترددت في اذهاننا ان مهنة الطب ,مهنة الرحمة ,واعتقد ان ذلك كان في قديم الزمان ,وانه يحكي لنا في الحكايات والروايات فقط ,ولا وجود لذلك علي ارض الواقع ,فالأن الاطباء او الاغلبية منهم هما اهل العذاب والانتقام في الارض ,اصبحوا بل رحمة ولا رحمة في قلوبهم ,وكل همهم جمع المال للغني ,والراحة وركوب اغلي السيارات والعيش برافهية ,ثم يخرجوا لنا ويحتجوا بان راتبهم لا يكفي ,فهم تجردوا من كل القيم والمبادئ الانسانية ,ولا توجد دولة في العالم ,تتعامل بهذا الاسلوب الا في مصر ,فلكي الله يا مصر ,عندما نتذكر ضابط الشرطة الذي عذب احد المسجونين حتي قتله ,نشعر بالألم والحسرة والظلم من ذلك الفعل ,فالطبيب الذي يخطئ في عمليته ويتسبب في موت مريض ,وكذلك الذي يرفع تسعيرة الكشف ولا يرحم الفقراء ,وقد يتسبب في موت احدهم ,وكذلك الذي ينشغل بعيادته ولا يحافظ علي عمله في المستشفي الحكومي المأوئ الوحيد للفقراء ,في غياب من يراقبه ويحاسبه ,فهو ظالم ويستحق العقاب ,وهو اسوء من الضابط الذي عذب وقتل ,لأن الشخص الذي عذب وقتل قد يكون مجرم امام القانون والعدالة ,وان ما يتعرض له ضابط الشرطة في وقتنا الحالي ,من ضغوط وحالة نفسية صعبة ,بسبب الارهاب وتعرض حياته للقتل في اي لحظة ,هو ما قد يدفعه لفعل ذلك ,وهذا ليس تبرير لفعله ,ولكن لتوضيح بعض الامور ,اما الطبيب الذي يذهب له الناس من اجل العلاج والشفاء والرحمة ,وهو لا ينظر الي ذلك وحاجة الناس اليه ,واكثرهم الفقراء ,وكل ما يشغله جمع المال فقط ولا يتذكر ان الله قد سخره لهذا العمل ,فهو يستحق العقاب من المجتمع كله ,وسوف يحاسبه الله علي ذلك الفعل ,لانه قد يتسبب في موت الكثير من الفقراء ,ومن ليس معهم المال الكافي للكشف وللعلاج ,وطبقا لآخر احصائية للجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء، بلغ عدد المستشفيات الحكومية في مصر 660 مستشفى، وحسب التقرير الذى أعده مركز الأرض فان المستشفيات الحكومية بها نقص فى الأدوية بنسبة 52% فى الحضر و82% فى الريف كما بلغ نقص المعدات نسبة 51% فى الحضر و70% فى الريف، وبالنسبة للأطباء الأخصائيين فقد وصلت نسبة العجز 36% فى الحضر و80% فى الريف.
وبلغ عدد المرضى المترددين على المستشفيات الحكومية خلال الاعوام الاخيرة ، 54 مليون مريض وفق احصائية الجهاز المركزى للمحاسبات، منهم 16 ألف مصاب بالدرن حسب البرنامج القومى لمكافحة السل ,وان ظاهرة الارتفاع الجنوني لأسعار العيادات الخاصة في مختلف التخصصات ,تترواح بين 100و200و500 جنيه ,وليس امام المريض المغلوب علي امره سوي الاستسلام املا في الشفاء ,والسؤال الذي يطرح ويدور في اذهان وعقول الكثير منا ,هل يمكن وضع حد اقصي لتلك الاسعار الجنونية ,وهل نترك الاطباء يتحكمون في المرضي وخاصة الفقراء ,وقد ذكر مقرر اللجنة القانونية بالنقابة العامة للأطباء لجريدة البديل ,: وفقا لقانون النقابة هناك ما يسمي بلجنة الأتعاب ـ ممثلة من كل من وزارة الصحة والنقابة ـ ومهمتها تحديد متوسط اتعاب الاطباء سواء في المستشفيات او العيادات الخاصة, لكنها غير مفعلة, وليس من حق النقابة وحدها متابعة الطبيب الا اذا وردت شكوي بخصوص اتعابه, وعلي كل مريض متذمر ان يتوجه الي نقابة الاطباء الفرعية في محافظته ويتقدم بشكوي رسمية, فالقانون يهتم فقط بوضع حدود قصوي لأسعار الكشف رغم انه لا يجوز من وجهة نظره ـ ان تفرض تسعيرة علي الخدمة الطبية, لأننا في عصر تحرير اسعار الخدمات طالما انها ليست استراتيجية.
,ان سوق الطب في مصر تسودها الفوضي, وان ما يحدث لدينا لا وجود له في أي مكان في العالم, ليس فقط في الولايات المتحدة الامريكية والدول الاوروبية المتقدمة , وانما حتي في دول عربية مجاورة, وفي كل دول العالم يذهب المرضي للمستشفيات أملا في الشفاء والعلاج ولكن المستشفيات الحكومية في مصر ليس فيها أمل ولا شفاء, بل يزداد المريض مرضا وتسوء حالته , وهذه المسشفيات أنفقت عليها الحكومة عشرات الملايين من الجنيهات ثم تركتها مأوي للقطط والكلاب، وبعض المستشفيات رفض المسئولون تجديدها فتركوها آيلة للسقوط فوق رؤوس المرضي والأطباء، وأخري أقرب ماتكون لمقالب القمامة، حيث تلال المخلفات البشرية والطبية في كل مكان، والكثير من المستشفيات ليس فيها سوي لافتة تقول: مستشفي عام , فإذا ما تعمقت في الداخل و تجاوزت اللافتة فلن تجد سوي أجهزة متهالكة قديمة عف عليها الزمن وأطباء غائبين ,يمارسون مهنتهم في عيادتهم الخاصة ,وإن حضروا فكل ما لديهم سماعة للكشف , وعندما يغلبون علي امرهم وسط صراخ واوجاع المرضي ,يتهربون بارتفاع الصوت ومعاملتهم لا يليق ,والسماعة التي يستخدمها كل الاطباء واحدة ,لم تتغير من سنين ,يكشفون بها علي جميع المترددين عليهم بدءا من مرضي السرطان والقلب حتي المصابين بنزلات البرد.,واطفال ومرضي ينامون علي سلالم المستشفي ,ينتظرون ادوارهم للكشف ,بعد ان يتكرم سيادة الطبيب ويأتي لاجراء الكشف .
,وبعد قراءة الكثير من الموضوعات المتعلقة بهذا الشأن ,اتضح لي ,انه لا يوجد قانون
يحدد ثمن الكشف للطبيب في عيادته الخاصة ,وان القانون الموجود لم يفعل ,وان ما ذكره مقرر اللجنة القانونية بالنقابة العامة للاطباء ,هروب من الموقف ,ويرمي الكرة في ملعب المريض ,ويطلب منه ان يقدم شكوي لنقابة الاطباء الفرعية في محافظته ,فهذه الشكوي سوف ترمي في صفيحة الزبالة ,ولن يلتفت اليها احد ,مثلها مثل الكثير من الشكاوي ,لان ذلك الاسلوب المتبع في دولة لا يوجد فيها عدل ,ولا قانون يحترم معاملة الفقير , ولا يوجد رقيب ومحاسب لمن يخطئ ويفرط في حقوق المواطنين,لذلك سوف تستمر معاناة المرضي الفقراء في مصر وسوف تزداد سوء يوم بعد يوم ,وسط غياب رقابة وقوانين غير مفعلة ,وأطباء ليس في قلوبهم رحمة ,وبالنظر لما وصلت اليها المستشفيات الحكومية من فساد ,دليلا قاطعا علي فساد من يدير هذه المستشفيات ,والمظلوم دائما الفقير ,وقد صدق ابن خلدون حين قال ,الظلم مؤذن بخراب العمران