عادل عامر
يعتبر العمل العربي المشترك هو ذلك النشاط الذي تقوم به مجموعة من الدول العربية الأعضاء في منظمات إقليمية،مثل جامعة الدول العربية،وذلك في مختلف المجالات والميادين، سواء تعلق الأمر بالعمل السياسي ،أو بالعمل الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي ،انطلاقا من الاهتمامات المشتركة. يقصد بالعمل المشترك العربي هو ذلك العمل الذي يتجاوز عمل الدولة وحدها إلى المساهمة من قبل عدة دول تجمعها صفة العضوية داخل منظمة إقليمية ،ويشتركون في أسس قومية ،وتسعى إلى تحقيق جملة من الأهداف والالتزام بالمبادئ التي ترتكز عليها المنظمة الإقليمية ،انطلاقا من واقع قائم
وسعيا إلى تحقيق أهداف محددة،أنية،أو مرحلية،أو إستراتيجية ،تصب جميعها في أفق تغيير ذلك الواقع تغيرا جزئيا أو كليا . وكما هو معلوم أن المجتمع الدولي انتقل من الدبلوماسية التقليدية إلى الدبلوماسية الحديثة ويندرج ضمن هذا النوع من الدبلوماسية المعاصرة دبلوماسية المنظمات ،التي أصبحت تكتسي أهمية كبيرة في النظام الدولي ، وهي التي أصبح يتخذ فيها القرارات شاملة وتهم جميع الدول الأعضاء في المنظمة. ودبلوماسية جامعة الدول العربية هي من قبيل هذا النوع من الدبلوماسية الحديثة (دبلوماسية المنظمات الإقليمية).
تعتبر العوامل الداخلية للدول العربية إحدى العوامل المؤثرة في تجسيد وتفعيل فكرة العمل الدبلوماسي العربي المشترك،ويظهر ذلك جليا من خلال الأوضاع العربية التي لازالت تعاني من حالة التفكك والضعف العربي نتيجة الخلافات العربية –العربية،وسعي بعض الدول العربية للمنافسة على موقع الصدارة، وأخذ الدور الريادي والمحوري على صعيد العمل العربي المشترك،بدل الالتفاف حول مدى توحيد الجهود والتنسيق فيما بين الدبلوماسيات لكل دولة عربية في إطار توحيد الرؤى والأبعاد الإستراتيجية للدبلوماسية العربية المشتركة . وذلك من أجل التأثير في قرارات الصادرة من الجامعة تجاه أي أزمة عربية، بالإضافة إلى التكتلات العربية الأجنبية التي ما فتئت تأثر سلبا على العمل الدبلوماسي المشترك،وسياسة الأحلاف التي انتهجتها الدول العربية في بناء علاقات على حساب العمل العربي المشترك
مما أدى إلى إتباع سياسية حيادية أحيانا،وكذا اتخاذ قرارات فردية اتجاه قضايا عربية،تتناسب مع وجهات النظر الأجنبية تبعا للمصالح المشتركة. وهناك نماذج مختلفة من البيئة العربية الداخلية والتي أثرت على أداء ومواقف الدبلوماسية العربية تجاه الأحداث الراهنة وعلى رأسها مجلس التعاون الخليجي ،ففي ظل غياب العديد من الفاعلين على الساحة العربية، كمصر والعراق وسوريا أدت الاحتجاجات الشعبية في دول الربيع العربي إلى زيادة شعور دول الخليج بأن أمن المنطقة قد بات مهددا أكثر من ذي قبل،خاصة
بعد اندلاع اضطرابات البحرين التي أدت إلى دخول قوات درع الجزيرة إليها،ووصول لاحتجاجات الشعبية إلى اليمن ،أي إلى الحدود الجنوبية الغربية للمملكة العربية السعودية ،مما جعل الدول الخليجية حساسة اتجاه التغيرات العميقة المحيطة وموقفها كان متأججا ومتناقضا من الاحتجاجات الشعبية في دول الربيع العربي،فكان حياديا في تونس ومصر،أما في ليبيا بدا الأمر مختلفا فقد تدخلت قطر والسعودية الثوار ضد النظام الليبي ،والطلب المتكرر من المجتمع الدولي ومجلس الأمن للتدخل العسكري لحسم الأمور لصالح الثوار،أما في البحرين فقد اعتبرت الأمر شأنا داخليا مما دفعها إلى إرسال قوات درع الجزيرة لاحتواء الأزمة
أنه لا بد من اجتماع الدبلوماسيين والمنظمات المختلفة من أجل استعادة عافية القطاع الاقتصادي لكافة الدول العربية. فالعالم العربي لا يعيش بمعزل عن بعضه بعضا، كما أنه يشهد حالياً وضعا جديدا ومتغيرا على كل المستويات السياسية، والاقتصادية، والثقافية في ظل الثورات وانعكاسات الأزمة المالية العالمية من تضخم، وبطالة، وانهيار البنية التحتية العربية. أن الوطن العربي غافل عن مصالحه في عالم تشكل التجمعات الاقتصادية أهم ملامحه، ودائماً ما يذهب بعيداً، مع أن مصالحه قريبة جداً، لذا لا بد من أن نصنع خريطة للطريق، ونضعها نصب أعيننا.من بعد مرورها بفترات صعبة تتعلق بعلاقة إدارات الدولة، ومراكز القوى فيها وبعضها بعضا، واستمرت الأمور على هذا النحو، حتى تولت وزارة الخارجية التنسيق بين كل الجهات على مستوى الدولة فيما يتعلق بالدبلوماسية الاقتصادية، وكان شباب السلك الدبلوماسي هم الأكثر تأهيلاً في هذا المجال. .
ثم جاءت قضية الديون كمشكلة ملحة، وأزمة وطنية، وقامت وزارة الخارجية بدور محوري في هذه الأزمة، بدءا بالتفاوض مع 17 دولة دائنة، انتهاء بالذهاب إلى نادي باريس الذي خرج بتخفيض عدة ديون، تبعتها مراحل أخرى مثل عودة مصر للمنظمات العربية، وجولة أوروجواي. إن المملكة المغربية عملت على تعزيز شراكة تضامنية مع إفريقيا – نتيجة الروابط الثقافية والانتماء الجغرافي – من خلال عمل زيارات متبادلة، هدفها دفع قاطرة الاقتصاد والتنمية، واحتلت إفريقيا أولوية السياسة الاقتصادية الخارجية المغربية، مع الأخذ في الحسبان البعد التنموي، وليس الاقتصادي فقط، على الرغم من أن المملكة ليست عضواً في الاتحاد الإفريقي. كما أنها ألغت ديونها لدى الدول الإفريقية الأكثر فقراً، وعملت على تشجيع الاستثمار الخاص في إفريقيا، والانفتاح الاقتصادي عليها، مما جعل المغرب ثاني أكبر بلد إفريقي مستثمر في إفريقيا بعد جنوب إفريقيا.فقد تبني المغرب إستراتيجية اقتصادية تهدف إلى عمل مشاريع مشتركة ذات طابع إقليمي فيما يتعلق بالماء، والكهرباء، والأمن الغذائي، واستطاعت المملكة فرض نفسها كقوة اقتصادية قادرة على الترويج للتقدم الملموس في القطاع الاقتصادي، خاصة البنوك، والصناعة، والتجارة، والتعليم، والعمل كحلقة وصل يربط بين الشمال والجنوب.
ويتضح ذلك في ضوء التنظيمات الاقتصادية التي أقيمت في محيط الدبلوماسية الاقتصادية وهي: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، والتي صممت أساساً لتحقيق مصالح الدول الرأسمالية المتقدمة، وتكريس سيطرتها، مما اضطر الدول النامية إلى الدخول معها في صراع تسلحت له بالتكتل في مجموعة الـ 77.
ولقد شكل مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ساحة حية لهذا الصراع، لكن هذا الاتجاه سرعان ما انتكس، وعادت الدول المتقدمة إلى الهيمنة المطلقة على النظام الاقتصادي، وكان إنشاء منظمة التجارة العالمية أكبر تجسيد لهذه الحقيقة. أنه بما أن معظم دول العالم قد انضمت إلى المنظمة، وثلاثة أرباع هذا العدد من البلدان النامية، فهل على البلدان النامية إصلاح أنظمتها القانونية والسياسية، وتأهيل اقتصادياتها حتى ترضى عنها القوى العظمى في المنظمة، أم أن بقاءها خارج المنظمة أجدى لها؟، وهل مزايا الانضمام إلى المنظمة تفوق انعكاساته السلبية أم لا؟. و أننا مطالبون بتوحيد الجهود لمواجهة هذا التغول للدول على مقدراتنا من خلال مراعاة الجوانب القانونية من بيئة تشريعية ملائمة، ومراعاة الاتفاقات الدولية، وإيجاد آلية لتسوية المنازعات. أن أبرز مظاهر الدبلوماسية الاقتصادية هو توحيد الجسد الاقتصادي للدول، والذي يتجلى حالياً في حرب العملات الدائرة بين الصين والولايات المتحدة، بحسبانها– الصين – صاحبة أكبر احتياطي نقدي من الدولار في العالم. لذا، فنحن نريد جنيها مصريا، لا قويا، ولا ضعيفا، وإنما متوازن يخضع لعرض وطلب حقيقي.
فعلى الرغم من أن الإرهاب صار خطراً يهدد الجميع، بيد أن عدداً من القوى الغربية التي تحارب “إرهاباً انتقائياً” قد تجد في القوة العربية المشتركة تهديداً لمصالحها، وبالتالي، فمن المتوقع أن تعارض بعض الدول مشروع القوة العربية الموحدة ، وتلجأ إلى الضغط على الدول المرشحة للانضمام، لحملها على عدم المشاركة فيها، أو لتشجيع دول عربية أخرى على رفض فكرة التدخل في شئونها من خلال قوة عربية موحدة بدعوى منع “الحساسيات” أو مراعاة اعتبارات “السيادة”، وما يعزز هذه الفرضية هو عرقلة الولايات المتحدة والدول الأوروبية مؤخراً للمساعي المصرية لاستصدار قرار من مجلس الأمن يخول القيام بعمل عسكري دولي ضد تنظيم “داعش” وغيره من الميلشيات المسلحة في ليبيا، على شاكلة التحالف الدولي في سوريا والعراق.