الدكتور عادل عامر
للمرة الثانية التي يتم فيها إدخال تعديلات على قانون الجمعيات الأهلية في مصر، بعد إقراره في 29 نوفمبر2016، ولكن بعد الانتقادات التي تعرض لها القانون، خاصة خلال منتدى شباب العالم الذي عقد في نوفمبر الماضي بمدينة شرم الشيخ وانطلقت فورة النشاط هذه بعد أن أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي في منتدى الشباب في شرم الشيخ أوائل نوفمبر الماضي عن تعديل قانون تنظيم العمل الأهلي في مصر، مادحًا منظمات المجتمع المدني التي «تقوم بدور رائع وإحنا محتاجينه.. لأن الدولة فيها 100 مليون مصري وفيها ناس كتيره جدا تحتاج هذا الدعم.. من جانب منظمات المجتمع المدني التي تنظم جهود المصريين، الفقراء مع الأغنياء».
وكلف السيسي رئيس الوزراء بتشكيل لجنة حكومية لإعداد تصور لتعديل القانون. وكانت إحدى المشاركات في منتدى الشباب العالمي طالبت السيسي باستخدام صلاحياته الدستورية لتعديل قانون منظمات المجتمع المدني للبرلمان، مؤكدة أن القانون يمثل عائقًا كبيرًا أمام الجمعيات الأهلية في مساعدة الناس، وهو ما رد عليه بأنه متفق معها.
وضمت اللجنة المشكلة من قبل الحكومة وزيرة التضامن (رئيسا)، وعضوية ممثلين عن وزارات العدل والداخلية والخارجية وشؤون مجلس النواب والجهات النقابية. ودارت عجلات الدولة ونُظمت بعض الندوات، وشُكّلت اللجنة من وزارات العدل والخارجية والتضامن، بينما أُعيد نشر وتداول ونقاش مشاريع عدة مسودات مختلفة للقانون كان آخرها ما نشره نائب رئيس الوزراء السابق زياد بهاء الدين.
وفي منتصف مايو الماضي، انتهت اللجنة من تعديل القانون وأرسلته لمجلس النواب، مشيرة إلى أنها استعانت بـ18 قانونا من 18 دولة، للاطلاع على التجارب الدولية في تنظيم العمل الأهلي، وأجرت حوارا مجتمعيا شاركت فيه أكثر من ألف جمعية أهلية، وسبعين منظمة دولية مرخصا لها بالعمل في مصر، حسب ما أعلنته وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي.
ويوجد في مصر نحو خمسين ألفا و572 جمعية ومؤسسة، النشط منها نحو ثلاثين ألفا و402 جمعية، وغير النشطة نحو 1106، بينما التي تم حلها 5594، في حين حظرت 414، أما الذي أوقفت نشاطها فيبلغ نحو 81 جمعية، وفق تقديرات رسمية صادرة عن وزارة التضامن الاجتماعي في يناير الماضي.
أن القانون الجديد خضع للتعديل ، مما يؤكد أن الدولة لديها قابلية للمجتمع المدني وتوفير مناخ قوي للعمل به. لان قانون الجمعيات الأهلية الجديد قانون مرن يتناسب بشكل كبير مع الآليات والضوابط الدولية التي تنظم عمل المنظمات غير الحكومية، والتي تضمن بشكل كبير استقلالية عملها. القانون الجديد سيساعد المنظمات والهيئات غير الحكومية في تنفيذ رؤية مصر 2030، من خلال التعاون مع مؤسسات الدولة لمحاربة الفقر والبطالة وتحسين البنية التحتية والتعليم في الأماكن الأكثر فقرا والأكثر احتياجا.
رغم الحجم الصغير نسبيًا للتمويل الأجنبي وسهولة رصده كون معظمه يأتي عن طريق مصارف خاضعة لرقابة الدولة، فقد صار الفزاعة المسؤولة عن سيل لا ينتهي من المؤامرات المزعومة لهدم الدولة والإضرار بالأمن القومي.
ويتضح هذا التوجه في تقرير تقصي حقائق حكومي في سبتمبر 2011 رغم أن التمويلات الأجنبية الكبيرة التي رصدها كانت منح وافقت عليها وزارة التضامن ومنها مثلا 300 مليون جنيه تلقتها جمعية أنصار السنة المحمدية بمفردها من قطر والكويت في شهر فبراير 2011، بينما حصلت جمعية محمد علاء مبارك (تحمل اسم الحفيد المتوفى للرئيس الأسبق حسني مبارك) على 86 مليون جنيه من الإمارات وسلطنة عمان في نهاية 2010 وبداية 2011. وأزعج تمويل جمعية أنصار السنة جهات في الدولة ويُعتقد أنه كان السبب الرئيسي في اقتراح لجنة تقصي الحقائق إنشاء هيئة مستقلة تبت في التمويلات الأجنبية للمنظمات الاهلية بل وفي حجمها.
وفعلًا نصّ القانون 70 على إنشاء جهاز قومي مستقل واسع الصلاحيات، رئيسه بدرجة وزير. ويتعين إخطار هذا الجهاز بأي منحة أو تبرع من خارج البلاد وإذا لم يوافق، أو امتنع عن الرد خلال 60 يومًا تعجز الجمعية عن استخدام هذه الأموال.
ويملك الجهاز سلطة مراجعة عمل أي جمعية أهلية للتحقق من أنها تنفق أموالها في الأوجه المحددة لها واتخاذ إجراءات لتصحيح أي مخالفات ودخول مقر أي من الجمعيات أو المؤسسات لمتابعة أنشطتها وفحص سجلاتها والاطلاع على حساباتها البنكية.
ويوجد في مصر نحو 50 ألف جمعية ومؤسسة مسجلة لدى الدولة يعمل معظمها في تقديم المساعدات والخدمات مخفضة السعر للفقراء، وهم قرابة 28% من السكان بما يمثل نحو 30 مليون من المصريين.
تدير هذه الجمعيات وخاصة الكبرى منها مدارس ومعاهد تعليمية وعيادات طبية وتقدم قروض ميسرة لمشاريع صغيرة وتوزع إعانات مالية وطعام وملابس (تقدم هذه الجمعيات مثلا ما يصل إلى نحو 30% من الخدمات الصحية في الريف). وهناك نحو عشر جمعيات كبرى تسيطر على القطاع الأكبر من هذا المجال منها مؤسسة «مصر الخير» و«بنك الطعام» وجمعية «الأورمان».
«بنك الطعام» مثلًا وهو تقريبًا الوحيد الذي ينشر ميزانياته وتقارير مراجع الحسابات، وتعدت إيراداته 462 مليون جنيه في عام 2017، كانت 80% منها تبرعات نقدية، بينما قال الشيخ على جمعة رئيس مجلس أمناء مؤسسة مصر الخير إن ميزانيتها لعام 2016 كانت 500 مليون جنيه، وقال اللواء ممدوح شعبان رئيس جمعية الأورمان إن ميزانية المنظمة ستقارب المليار جنيه في عام 2019.
وإضافة إلى هذه الجمعيات المقربة للدولة هناك مؤسسات خيرية ضخمة ذات وضع خاص وأهمها «بيت الزكاة والصدقات» المصري الذي نشأ بقانون خاص في عام 2014 ويرأسه شيخ الأزهر أحمد الطيب بصفته، وقد تزيد ميزانية «بيت الزكاة» السنوية عن المليار جنيه. وتبدو هذه المؤسسات الخيرية المقربة للدولة أو التي أنشأتها الدولة مباشرة جزءًا من محاولة لسحب بساط العمل الخيري وموارده الضخمة وتأثيره الهائل في مصر من تحت أقدام المنظمات الإسلامية القديمة مثل جمعية «أنصار السنة المحمدية» و«الجمعية الشرعية»، أو تلك المشاريع الخيرية الأحدث التي ظهرت وانتشرت بشدة في الثمانينيات والتسعينيات وتديرها تيارات إسلامية سياسية مباشرة.
وافق اليوم نهائيا على مشروع قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي”. وينص مشروع القانون على أن تلتزم الجمعية بإعلان مصادر تمويلها، وأسماء أعضائها، وميزانيتها السنوية، وأنشطتها، مع نشر ذلك داخل مقراتها وعلى موقعها الإلكتروني وغيره من وسائل النشر الأخرى.
وأجاز مشروع القانون، للمنظمات الأجنبية غير الحكومية ممارسة نشاط أو أكثر من أنشطة المؤسسات الأهلية الخاضعة لأحكام هذا القانون، وفقا للقواعد المقررة فيه لمدة محددة يحددها الوزير المختص، ولا يجوز للمنظمة مباشرة أي نشاط في مصر إلا بعد حصولها على تصريح من الوزير المختص، على أن تلتزم هذه المنظمات بتقديم طلب التصريح لوزارة الخارجية مرفقا به البيانات والمستندات التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
وأكد ضرورة أن يكون نشاط المنظمة الأجنبية غير الحكومية المصرح لها به متفقا مع أولويات واحتياجات المجتمع المصري وفقاً لخطط التنمية، وألا تعمل أو تمول نشاط يدخل في نطاق عمل الأحزاب أو النقابات المهنية أو العمالية، أو ذا طابع سياسي أو ديني، أو يضر بالأمن القومي للبلاد أو النظام العام، أو يحض على التمييز أو الكراهية أو إثارة الفتن.
وحظر على المنظمة الأجنبية غير الحكومية المصرح لها إرسال أو نقل أو تحويل أي أموال أو تبرعات إلى أي شخص أو منظمة أو جهة في الخارج إلا بعد موافقة الوزير المختص، كما يحظر عليها تلقى أي أموال من أي شخص طبيعي أو اعتباري بخلاف مصادر تمويلها المنصوص عليها بالتصريح الصادر لها إلا بعد موافقة الوزير المختص.
أن الهدف من القانون هو تنظيم ممارسة العمل الأهلي من خلال تشجيع تأسيس الجمعيات والمؤسسات الأهلية والاتحادات والمنظمات الاقليمية والمنظمات الأجنبية غير الحكومية المصرح لها بالعمل في مصر، والعمل على تعزيز دورها في خدمة الصالح العام، وذلك انطلاقاً من الدور الرائد لمؤسسات المجتمع الأهلي كشريك أساسي للدولة في تحقيق خطط وأهداف التنمية المستدامة، وتفعيل العمل التطوعي، وتعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد ومعطيات مجتمع المعرفة، وتكنولوجيا المعلومات.