متابعة دكتور علاء ثابت مسلم
صرح العالم الموسوعي العالمي بروفيسور د محمد حسن كامل رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب لجريدة الشاهد المصري بفوزه بكتابة مقدمة شعراء مصر الألف من بين ثلاثة وزراء ثقافة سابقين قائلا :
مما لاريب فيه أن مشروع ديوان الشعراء الألف التاريخي عمل يُشار إليه بالبنان , ولِمَ لا ؟ وهو نسيج طبيعي لذاكرة الأمة بعمقها التاريخي وإنتشارها الجغرافي وبُعدها الثقافي والحضاري الذي يعكس عراقة الأمة ويشحذ فيها الهمة .
عمل عبقري جماعي يضم كل ثقافات الوطن العربي من الألف إلى الياء ولذا كان من الطبيعي أن نشيد بصاحب هذا المشروع المعطاء السامي الشاعر براء الشامي , له منا تحية صبية ثرية ندية من كل شبر ينطق بالعربية .
ومما لاشك فيه أن الفن هو المذكرة التفسيرية للإبداع الحضاري والإنساني عبر شهيق التاريخ وزفيرإبداعه , والسابح بين بحور الشعر وجزر القوافي يصادف محارات إبداعية تداعب الغواص عالقة بصخور الإبداع لم يصل إليها أحد من قبل .
الشعر سيد الفنون بلا منازع , ومنصة الإبداع التي لا تُضارع , لن أسرف في القول ولن أكون مقتراً وقد أشار القرآن إلى سيد الفنون في سورة الشعراء والتي تبلغ 227 أية وهي ثاني سورة بعد البقرة من حيث عدد الأيات .
حينما نقف على مسرح الفن قد نعجز عن رصد مفهوم تلك الكلمة البسيطة في البِناء العالية في السماء .
الفن خلطة سرية يخلطها الفنان بنسب خاصة بين الخيال والواقع والمشاعر والتطبيق والفكر والهدف والإبتكار والزمن ليبرز قيمة فنية عُليا يتربع بها على عرش قمة الإبداع .
وتٌقسم الفنون إلى سبعة أقسام وهي :
1 : النحت والعمارة 2 : رسم و زخرفة 3 : تلوين 4 : موسيقى 5 : أدب وشعر 6 : رقص ومسرح 7 : السنيما
والعجيب أن كل هذه الفنون تذوب في بوتقة الشعر
في الشعر طاقة ساحرة يمكن بها أن تجد كل الفنون السابقة فيه , الشعر ينحت القصيدة ويبني العمارة ويرسم اللوحات التعبيرية والتأثيرية من كل المدارس الفنية الكلاسيكية والحديثة , الشعر زخرفة وألوان وزمان ومكان , الشعر موسيقى وألحان , الشعر رقص وتمايل وإيقاع على مسرح الحياة , الشعر سينما مجسمة ذات الأبعاد السبعة من طول وعرض وعمق وزمن وسرعة ومشاعر وفكر.
ومن ثم كانت سورة الشعراء السورة الثانية من حيث الطول في القرأن الكريم , حيث يصور الشعر الحياة كاملة بكل ما فيها وبكل معطياتها ومشاعرها وأحلامها وأهدافها .
وإذا كان الأدب شاهداً على العصر بكل مافيه من أحداث , فإن الشعر هو العدسات الدقيقة التي ترصد الخيط الرفيع في النسيج الفكري والثقافي والإجتماعي والإقتصادي والتاريخي والفني والإبداعي للأمة , من هنا ندرك أهمية هذا العمل الجماعي الذي يرصد حافلة التاريخ المعاصر في تلك المرحلة الدقيقة التي يمر بها الوطن .
نافذة الشعر ترصد كل كبيرة وصغيرة في رئة الزمن .
كم سعدت أن ألتقي بتلك الكوكبة من الشعراء المصريين الذين تقدموا بأعمالهم للمشاركة في كتابة التاريخ المعاصر للأمة بحنكة وخبرة مع باقي شعراء الوطن العربي .
عمل رائع يقدم وجبة دسمة من الفكر والثقافة والإبداع على خشبة مسرح الإنسانية .
هذا الديوان يقدم شهادة على العصر بكل مافيه سواء ما قبل ثورتي 25 يناير و30 يونيو , وأيضاً ما بعدهما .
تتجلى خصائص بعض قصائد هذا الديوان في تغيير منصة الشعر من إلتقاء المبدع والمتلقي إلى اللقاء عبر شاشات ولوح مفاتيح وجمهور عبر الفضاء الرقمي يصل أطراف الأرض بأوساطها .
أتذكر حينما حاورت أديبنا الكبير نجيب محفوظ صاحب نوبل للأدب العربي , تحدثنا عن الإبداع بتعريف جديد هو : فن صناعة الدهشة لأطول فترة ممكنة في تاريخ الإنسانية .
العمل الأدبي عندما يهتم بالإنسان كونه إنسان بغض النظر عن إختلاف اللغات واللهجات ويعبر المحيطات , ويقفز من فوق السدود والحدود , قد ينطلق من المحلية ليصل إلى العالمية , الإهتمام بالإنسان هو محورالعمل الأدبي بكل روافده .
الجدير بالذكر أن هذا الديوان له حالة شديدة الخصوصية ولاسيما بين مطرقة الحداثة وسندان الآصالة , حاولت عبر مقدمتي تلك أن ألتقط الهاجس الشعري المشترك بين الشعراء والذي يعبر عن قيم الحب والخير والحق والعدل والجمال والعشق والحماسة وحب الوطن والقائمة طويلة .
هذا الديوان ببساطة يرصد حالة الهوية الثقافية للشعب المصري وللشعب العربي بكل أحلامه وأماله عبر هؤلاء الشعراء
من أجمل ما قرأت هذا الإستهلال الذكي عن الرحيل للشاعرة الدكتورة / زينب أبو سنه حينما قالت في قصيدة الرحيل :
سأرحلُ حتمًا بغيرِ انتظارٍ
فقد طالَ صبري وزادَ الجفاءْ
ليندملَ الجرحُ في خافقي
وأفتحُ نافذةً للهواءْ
أنا الماءُ طهرًا تناثرَ عطرًا
تروى شهاباً يجوبُ السماءْ
أنا شمسُ آبٍ لأولِ صبحٍ
وبحرٌ سيصخبُ في كبرياءْ
أنا الصبرُ يحملُ في راحتيه
جراحَ الحنايا وسهدَ العناءْ
تأمل طويلاً وحَدِّق تجدْني
مسارجَ نورٍ بحجمِ الفضاءْ
ولستُ أبالي إن غبت عنك
فمثلك لا يستحق الرثاءْ
أما الدكتور / جمال مرسي جاء ليقدم لنا الحقيقة في قصيدة الحقيقة قائلاً :
عَينٌ عَلَى البَحرِ بالأهدابِ تحرُسُهُ
تُلقي عَلَيه حَريراً طابَ مُلمَسُهُ
عَميقةٌ مِثلهُ , يا ويلَ نَاظراها
هُو الغريقُ فلن يُجدي تَمرُّسُهُ
أُستتاذةٌ في فنونِ السَّحرِ نظرتُها
يا ليتنِي كُنتُ تلميذاً تُدَرِّسُهُ
وهنا تقف بوصلة الإعجاب عند أمير الشعراء الدكتور/ علاء جانب في قصيدته الرائعة ياعين يا ليل قائلاً :
ما بَيْنَ شوقَيْن قلبي فيكِ يرْتحِلُ
يا ” قاب قوْسينِ ” ما للشوقِ لا يَصلُ
بُرْئي من الشوقِ أنْ أشتاقَ ملءَ دمي
حظي من الوجْدِ : يُطفيني وَيشتعلُ
وأنْ أبعثْرَ في إِيقاعٍ ضِحكتهِا
نبضاً تخاصم فيه اليأسُ والأملُ
وأختم رحلتي مع هذا الديوان الرائع مع الشاعرة تقى المرسى في مطلع قصيدتها : مولاي
أعوذُ بفتنةِ التأويلِ منهُ
وسحرِ بنفسجاتٍ لم تخنهُ
مكثن على شفا التنور سَبْعاً
لعل النارَ تُخبرُهن عَنهُ
هو ابنُ لهيبها مذ كانَ ثلجاً
يُعذبه التضادُ ولم يُبنهُ
على سُرر من الحيراتِ يغفو
لها التسآل عن معناه كُنهُ
ما أروع هذا الفيض , عندما يفيض الإبداع يتألق اليراع , أكرر شكري وتقديري للشاعر القدير براء الشامي صاحب تلك الفكرة الذهبية وأدعو الله أن تتكرر تلك التجربة سنوياً لإكتشاف العديد والمزيد من الشعراء.
سفير دكتور / محمد حسن كامل
رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب