متابعة- عبدالسلام البهوار
سوف نخوض اليوم ونتحدث مع تفسير ايه من كتاب الله عزوجل ويكون معانا فضيلة الدكتور احمد فهمي محمد من علماء الازهر الشريف
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد
قول الله تعالى في كتابه العزيز :
﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ (سورة الحديد)
عتاب رقيق:
يُخاطِبُ ربنا سبحانه وتعالى عَقل الإنسان في كثير من الأحيان، كما أنه يُخاطِبُ قلبه أحياناً، و في هذه الآية خِطابٌ لِقلبِهِ، فالله جلّ جلاله يُعاتِبُ هذا الإنسان المُقصِّر الذي لم يخْشَع قلبهُ لِذِكر الله، ولم يسْتجب لأمر الله تعالى، ولم يلْتزِم منهج الله عز وجل، فيا أيها الإنسان إلى متى أنت غافل ؟ وإلى متى أنت ساهٍ ؟ إلى متى أنت مُقصِّر ؟ وإلى متى أنت مغلوب على أمرك؟
قال تعالى:
﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(21) ﴾ [سورة الحشر]
فما بال هذا الإنسان يقرأ القرآن فلا يتأثّر، وما باله يقرؤُه فلا يقْشَعِرُّ جلدُه، قال تعالى:
﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ(37) ﴾
[سورة فاطر]
ومعنى ( أنْ تخْشَعَ قلوبهم ) ؛ أيْ: أن تسْتقيم على أمر الله تعالى، وأن ينقاد الإنسان لأوامر الله، والحقيقة أن هذا المِقياس مقياس دقيق يضعك على المحكّ، فتكلَّم ما شئت، وتحدَّث عن نفسك ما شئت، وأعْطِ نفْسِكَ أيّ حجمٍ، وفي النِّهاية: أنت لسْتَ بالحجم الذي تدَّعيه ما لم تلتزم بالأمر والنَّهي، فَخشوع القلب كما قال المفسّرون: هو انقياد القلب لِطاعة الله تعالى، فالخُشوع هو شُعور، ولكنّ هذا الشُّعور يُجَسَّد بانقياد النَّفس إلى طاعة الله تعالى، فالحركة الظاهرة دائمًا أساسها حال نفسي، و الحال النفسي خُشوع لله، والحال الظاهري انْقِيادٌ لأمر الله تعالى، فإن لم يكُن لديك انْقِياد لأمر الله فأنت لسْتَ خاشعاً بقلبِكَ، لأنّ القلب لم يأخذ من الفِكر الأدلَّة على عظمة الله، والإنسان إذا فكَّر بعَظمة الله خشع قلبه وانقادت جوارحه، و انْقِيادُ الجوارح يسْبِقُهُ خُشوع القلب، وخُشوع القلب يسْبِقهُ تفكّر في السماوات والأرض، فلو الْتَقيْتَ بإنسان لا تعرف عنه شيئًا فإنك تُعاملُهُ معاملةً عاديّة، أما إذا بلغكَ أنَّه أعلم علماء الأرض في اخْتِصاص معيَّن، أو أنه من أقوى الأقوياء و أغنى الأغنياء، ثم الْتَقيْتَ به ثانيَةً فإنَّك تحترمُهُ وتُوقِّرُهُ، وهذا يكون بِحَجم عِلمهِ أو قوَّته أو ماله، و الفِكر إذا جال في ملكوت السماوات والأرض وعاد بِنَتيجة تُؤكِّد عظمة الله عز وجل جعل القلب يخْشع لله، فإذا خشَع القلب انْقادَت الجوارِح.
هناك كلامٌ جامِعٌ مانِع موجَز يقول: إذا لم يحْمِلْك إيمانُك على طاعة الله تعالى فهذا الإيمان لا يُقدِّم ولا يؤخِّر، وإن شئت سمِّ هذا الإيمان بالإيمان الإبليسي، لأنَّ إبليس قال:
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(82) ﴾ [سورة ص]
فالإيمان الحقيقي هو الذي يَحْمِلُكَ على طاعة الله عز وجل، والله عز وجل يقول:
﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾
(ألَمْ يَأْن)ِ؛ أيْ: ألَمْ يَحِن الوقت المناسب ؟ وإلى متى أنت في غفْلة ؟ وإلى متى أنت في التقصير والمخالفات ؟ فهؤلاء آمنوا بِألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم، أو آمنوا ولم يَحْمِلهم إيمانهم على طاعة الله إيمانهم لا يكفي.
(أنْ تَخْشَعَ قلوبهم لذكر الله) ؛ أيْ: أن يسْتشْعِروا عظمة الله عز وجل، فهل أنت اسْتَشْعَرَت عظمة الله عز وجل انقادَت جوارحك إلى طاعة الله وذكره،
وذِكْر الله تعالى باب مِن أوْسَعِ الأبواب، فأيُّ شيءٍ يُقرِّبُكَ من الله هو من الذِّكْرِ الحكيم، فلو عُرِضَتْ عليك آية من آيات الله تعالى الدالة على عظمته ؛ لكانت هذه الآية من ذِكْر الله عز وجل، ولو عُرِضَ عليك حدثٌ هو مِن فِعْل الله تعالى لكان مِن ذِكْر الله، ولو عُرِضَت عليك آية مفصَّلة تفصيلاً رائعاً فهي من ذِكْر الله تعالى أيضاً، وقراءة شيء من سنَّة رسول الله مِن ذِكر الله تعالى، فأيُّ شيءٍ يُذَكِّرُك بالله عز وجل هو من ذِكر الله،
وقوله تعالى
﴿وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾
فهم قد أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد، فإذا وقَعَ الإنسان في مخالفة وجب عليه أن يتوب من قريب، أما إن أخَّر التوبة، واسْتمرأ المعْصِيَة ورضِيَ بها وألِفَها، حتى أصْبحَت جزءاً من حياته نقول عنه: إنه طال عليه الأمد بهذه المعْصيَة، والإنسان حسَّاس جدًّا، فإذا ظل مُتلبِّساً بِمَعصيَة، ومخالفاً لِشَرع ومقصِّراً في حقّ الله قسا قلبه، فتحْجُبه هذه المعاصي عن الله تعالى، قال تعالى: ﴿فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾
وإذا قسا القلب فسقَ الإنسان، وإذا خشَع القلب أطاع الإنسان ربّه
ومعنى ذلك أنَّ الإنسان حينما يتَّصِل بالله يمتلأُ قلبهُ رحمةً ويُلْهمُ الحِكمة والرَّحمة واللُّطْف والأدَب والخَشْيَة والإنفاق، ويلتفّ الناس حوله، فإذا ابْتعَد عن الله عز وجل وقسا قلبُهُ انفضُّ الناس من حوله، فاللُّيونة سببها الرحمة ! فلو كان للإيمان مؤشّر لكانت الرَّحمة مؤشِّرًا له، و لو كان للشر مؤشر لكانت القسْوة مؤشِّرًا عليه ! و المسلم مُعرَّض لِمَرضٍ خطير أصاب أهل الكتاب، وهو أن تغْدو عباداته طُقوساً، ويغْدو الكتاب المنزّل عنده كلاماً أجْوفَ من المضمون، يقرؤُهُ فلا يتأثَّر، ثم يعبد الله فلا يتأثَّر، فقد قسا قلبهُ وجوارحه، وطال عليه الأمد.
فالذين آمنوا بالله ورسوله هم الصدِّيقون والشُّهداء عند ربِّهم لهم أجرهم و نورهم، والذين كفروا و كذَّبوا وأعرضوا لهم جحيم في الدنيا وجحيم في الآخرة، كما لهم جحيم نفسي وجحيم جسدي.