بقلم :جمال القرشاوى
جمال الحضارة النوبية يزداد يريقاً ولمعاناً مع البحث في أعماق تلك الحضارة والبحث في أعماق الأعماق التاريخ المجيد والساطع للنوبة عبر كل العصور التي مرت بها النوبة منذ بداية التاريخ حتي وقتنا هذا ونتعلم شموخ الأجداد والملوك والامراء الذين كتبوا التاريخ بحروف من ذهب .
ذكر عبدالله أبن احمد بن سليم الأسواني في كتاب أخبار النوبة والمقرة وعلوه والبجة والنيل ( أول بلاد النوبة تسمي القصر تبعد عن أسوان خمسة اميال وأخر حصن المسلمين تعرف ( ببلاق ) بينها وبين قرية النوبة ميل وهو ساحل ببلاد النوبة من أسوان بها جنادل كثيرة الأحجار لا تسلكها المراكب إلا بالحيلة ومن يملك الخبرة من الصيادين الذين يصيدون هناك لأن هذه الجنادل متقطعة وشعاب معترضة في النيل فيها خرير عظيم ودوي يسمع من بعد وبهذه القرية مسلة وباب إلي بلد النوبة وهي الناحية التي يتصرف فيها المسلمون ولهم فيها قرب أملاك ويتجرون في أعلاها وفيها جماعة من المسلمين لا يفصح احدهم العربية وشجرها كثير وهي ناحية ضيقة كثيرة الجبال وما تخرج من النيل متسطرة علي الشاطئ وشجرها النخل والمقل واعلاها أوسع من ادناها وفي اعلاها الكروم والنيل لا يروي مزارعها لارتفاع أرضها ويزرع الأفدنة علي السواقي والأبقار والقمح بها قليل والشعير كثير ويحرسون الأرض ويزرعون في الصيف بعد خلط التراب بروث الحمام ( الزبل ) بالذرة والسمسم واللوبيا وفي هذه الناحية بجراش وهي ( فرس الحالية ) مدينة المريس وقلعة إبريم وقلعة أخري دونها وبها مرسي يعرف بأدواء ينسب أليها سيدنا لقمان الحكيم وذو النون وبها بريا عجيب ولهذه الناحية ولي من قبل عظيم النوبة يعرف صاحب الجبل من اجل ولائهم لقرية أرض السلام ومن يخرج إلي بلد النوبة من المسلمين فمعاملته معه في التجارة أو هدية أليه أو إلي مولاه ولا يطلق لأحد الصعود إلي مولاه لا مسلم ولا غيره ، واول الجنادل من بلد النوبة تعرف بتقوي وهي ساحل تنتهي مراكب النوبة المصعدة من القصر أول بلدهم ولا يسمح لاحد من المسلمين ولا غيرهم الصعود منها إلا بأذن من صاحب الجبل برغم صعوبة وضيق ومشقة مسالكها ).
كلمة كنوز يرجع أصله للكلمة الفرعونية ( تا كنز ) أي يلاد القوس .
جاء أن كلمة كنوز هي في الأصل يرجع لفرعوني قديم يطلق علي جزيرة في الجندل الأول هي ( كنسي ) وقد تكون هذه الجزيرة المسماة قديماً
بجزيرة ( كونوسو ) بالنوبة وجاء ذكر الملك ( أمنحتب الثالث )
أحياناً يكتب ( أمنوفيس الثالث) هو تاسع فراعنة الأسرة الثامنة عشر، ومن أعظم حكام مصر على مر التاريخ.، حكم مصر في الفترة ما بين (1391 ق.م. – 1353 ق.م.) أو (1388 ق.م. – 1351 ق.م )
كان أمنحتب الثالث في أوائل سنوات حكمه مهتما بالرياضة وخاصة الصيد والقنص حيث كان صيادا عظيما حيث عثر له على جعرانا يسجل فيه انه أقتنص مائة ثور برى في رحلة صيد ملكية استغرقت يومين وجعرانا آخرا أصدره في السنة العاشرة ذكر فيه أنه منذ ارتقائه العرش قتل 102 من الأسود في رحلات الصيد. وأبدى اهتماما قليلا للعمليات الحربية حيث واجه أمنحتب الثالث بعض القلاقل في السنة الخامسة من حكمه في بلاد كوش (النوبة) ولكن القتال كان يدور مع فئة قليلة من المتمردين. وبعد أن انتصر عليهم وسع رقعة ملكه حتى وصل إلى الشلال الرابع، وقد دوّن تذكار لهذه الحملة بالقرب على صخور ( جزيرة كونوسو ) بالنوبة، كما وصفت حملته على بلاد النوبة على لوحة سمنة وهى الآن في المتحف البريطاني .
وقد قامت ثورة أخرى في بلدة ( أبهت ) الواقعة بعد الشلال الثاني وكانت النوبة لها إدارة ذاتية بإشراف الأبن الملكي لكوش، فأرسل أمنحتب نائبه في أقطار الجنوب وابن الملك لقمع الثورة ولم يشترك فيها أمنحتب الثالث، واتسم معظم حكمه بالاستقرار والرخاء.
في السنة الثانية لحكمه من الملكة تِيْيِ التي ليس لها وتزوج أمنحتب الثالث أصول ملكية ولكن والداها كانا يشغلان مناصبا راقية في الدولة، أنجبت له (أمنحتب الرابع) خليفته، الذي آمن بالإله الواحد ومثله في الشمس آتون) كعاطية للحياة، وأسمى نفسه أخناتون ومعناه (ألمخلص لآتون ) وكان لأمنحتب الثالث العديد من الزوجات منها زيجات دبلوماسية من أميرات أجنبيات مثل الأميرة جلوخيبا بنت ملك متنى (في العراق اليوم) وأميرة نهرين، وتزوج من اخته إيزيس وفى العام الثلاثين من اخت أخرى له تدعى (ست أمون )، والمعروف أنه أنجب ستة من الأبناء منهم ولدان هما تحتمس وهو الأبن الأكبر ومات في حياته وأمنحتب الرابع، وأربعة بنات ويحتمل ان يكون امنحتب الرابع (إخناتون) قد شارك والده في العرش .
كانت هذه السيدة (تى) سيدة لها طموحها وقوة شخصيتها فاستطاعت من خلالها أن تتحكم في أمور الدولة، وتترك أثرا كبيرا في تاريخ الدولة الفرعونية، وأصبحت الزوجة العظمى للملك أمنحتب الثالث ووالدة أخناتون وجدة توت عنخ آمون .
أما عن نشاط هذا الملك في مجال التشييد فهو لا يحتاج إلى أي إعلان مثل إقامة سلسلة من المعابد في بلاد النوبة ، ومعبد صولب Soleb الذي تخلد نقوشه ذكرى اليوبيل الملكي بالإضافة إلى ما قام به الملك من تحويل مقصورة صغيرة بالأقصر إلى معبد ذي أعمدة رشيقة شاهقة الارتفاع ، يعبر حتى الآن عن عظمة تلك العصر وأيضا إنشاء العديد من الأبنية وإصلاح وترميم وتوسيع العديد من المعابد المصرية وقد أقام أمنحتب قصره في الملقطة جنوب مدينة هابو (بركة هابو) وحفر حولها بحيرة صناعية بلغت مساحة 988 م في 2500 م ولا يستطيع السياح الآن مشاهدة شيء من معبده الجنائزي سوى تمثالي ممنون العملاقين اللذين لم يبق غيرهما ومما هو جدير بالذكر أن أحد هذين التمثالين كان في أوائل العصر الروماني يصدر صوتا عند شروق الشمس ، لكن سرعان ما تلاشت هذه الظاهرة بعد حدوث زلزال وقد نحتت مقبرة أمنحتب الثالث في أحد السراديب بوادي الملوك ، ورسمت زخارفها فوق طبقة جصية وهي في حالة سيئة حاليا ، ولم يتم حتى الآن التأكد من حقيقة موميائه .
توفى أمنحتب الثالث بعد أن حكم لمدة 388 عام وهو في سن الخمسين ربما بسبب مرض غير معلوم ، واكتشفت المقبرة التي أعدها لنفسه في عام وهى المقبرة رقم 22 بوادي الملوك 1799وأكتشفها جولوه و دفلييه وقد وجدت فارغة والجدران مهدمة بفعل الضغط والعوامل الجوية ولم تكن مومياؤه بداخلها حيث وجدت مومياؤه في مقبرة بالقرب من الدير البحري وتم إخفاؤها بواسطة الكهنة واكتشفت في عام 1981 .
أوائل القرن الحادي عشر الميلادي اعترفت الدولة الفاطمية بإمارة الكنوز في أسوان , واستطاعت هذه الإمارة السيطرة علي كل النوبة السفلي التي تسمي ب المريس , ومنح الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله أمير هذه الإمارة وهو أبو المكارم هبة الله لقب كنز الدولة بعد أن استطاع القبض علي احد الخارجين علي الحكم الفاطمي ويدعي ( أبو ركوة ), وامتد حكم الكنوز علي المريس أكثر من ثلاثين سنة في منتصف القرن الحادي عشر الميلادي , وكانت عاصمتهم في أسوان , أما أهم المدن التابعة لحكمهم فكانت باخوراس (فرس) و بريمس ( إبريم ) , وفي النصف الثاني من القرن الحادي عشر الميلادي , قام كنز الدولة بغزو نوباتيا وتمتع باستقلالية محدودة بسبب استغلال حالة المجاعة التي أصابت الدولة الفاطمية وارتبطت مملكة المقرة بعلاقات
جيدة مع الدولة الفاطمية , ورأت فيها الأخيرة حليفا جيدا لقلة الحلفاء مع هذه الدولة الشيعية , واعتمد الجيش الفاطمي علي العبيد التي يرسلهم ملوك المقرة , وانتعشت التجارة بين الطرفين , وكانت مصر ترسل للنوبة القمح والخمور والكتان بينما ترسل النوبة العاج والماشية وريش النعام والعبيد.
بداية العصر الاسلامي أطلق علي النوبة المصرية ( النوبة السفلي ) اسم المريس ، وهي المنطقة التي تقع بين الشلال الأول والشلال الثاني , وكان الجزء الشمالي منه يقع تحت إشراف الخلفاء الفاطميين , وتمتع باستقلالية إلي حد ما تحت أميرها كنز الدولة في منتصف القرن الحادي العشر الميلادي , وكانت أهم مدنه الثلاثة أسوان و فرس و حصن إبريم , ان قبائل الكنوز تنتمي إلي قبائل ربيعة التي أتت من الجزيرة العربية عن طريق البحر الأحمر وتسللت إلي الصحراء الشرقية شرق مدينة أسوان في العصر العباسي وانصهرت هذه القبائل مع قبائل البجة المقيمين في الصحراء الشرقية , وسيطرت علي مناجم الذهب هذا مجرد اجتهاد فقط لكون الكنوز موجودين من قبل الميلاد وتعود لكلمة فرعونية قديمة وليس بالمعني المذكور بالقادم من الشرق .
وكان الجزء الجنوبي للنوبة المصرية تحت إشراف ملوك دوتاو المسيحيين , وظلت هذه المملكة موجودة بعد انهيار مملكة المقرة في القرن الثالث عشر الميلادي, وكانت العاصمة في جبل عدا ( داو), وعثر في عام 1960 علي مجموعة وثائق كبيرة في قصر أبريم تلقي الضوء حول تاريخ هذه المملكة , وأيضا العلاقة بين ايبارشية نوباتيا وملك دوتاو في القرن الثاني عشر الميلادي حاول العرب دخول النوبة وفتحها بالقوة ، وتلاقي الفريقان في
معركة دنقلة الاولي في صيف عام 642 م بين العرب بقيادة عقبة بن نافع ومملكة المقرة وكان جيش العرب يضم 20 ألف جندي ولكن المعركة انتهت بهزيمة العرب وجرح عدد كبير من العرب يبلغ عددهم ما بين 150 إلي 250 جندي , وقد قابل النوبيين العرب بوابل كثيف من السهام وبلغت دقة السهام درجة تصل إلي حدقة العين مما أصاب عدد من العرب بالعمى , وحاول العرب في بدء المعركة استخدام السيوف ولكن النوبيين لم يعطوهم الفرصة لذلك , وكانت هزيمة العرب في هذه المعركة من الهزائم النادرة التي مني بها العرب في القرن السابع الميلادي والذي شهد للعرب بانتصارات كثيرة.
رحال النوبة جمال القرشاوي
بلاد النوبة أوطاني والتاريخ عنواني والحضارة أسمي وميلادي