بقلم الدكتور / علي عبدالظاهر الضيف
نساء في مزبلة التاريخ
١**السلطانة صفية
حرباء متلونة أو إن شئت فقل أفعى سامة حفرت اسمها في التاريخ بالدماء والخديعة، لم تنل من صفات الأنثى إلا المظهر الخارجي البراق المغري وبداخل هذا الجسد تسكون روح شيطانية مصاصة للدماء !
صفية ابنة مدللة لواحد من أمراء أسرة «بافو» في البندقية «فينسيا»، قد تولى أبوها حكم جزيرة «كورفو» بالبحر المتوسط واختطفت الأميرة الصغيرة ، وبيعت كجارية إلى أن انتهى بها المطاف في قصر السلطان العثماني باسطنبول.
احتلت الجارية ذات الأربعة عشر ربيعاً مكانة بارزة بين جواري البلاط بفضل جمالها وشخصيتها المرحة، وباتت محط أنظار الأمراء، وسلبت لب السلطان مراد أمام سحرها فصارت زوجته وأم ولده ولقبت بالسلطانة صفية، وباتت ثالث أقوى سيدة في البلاط العثماني من بعد السلطانة الوالدة «نور بانو» وأسماء أخت السلطان.
ووثق فيها السلطان وأصبحت مستشارته الخاصة وصارت تتحكم في أمور البلاد والعباد ، فعملت على استصدار قرار من السلطان مراد الثالث، بتعيين ابنه منها الأمير محمد خان كولي عهد الدولة العثمانية، بذلك ضمنت صفية خاتون، العرش لابنها، لكن إخوته غير الأشقاء كانوا مصدر قلق بالنسبة لها لذلك رأت صفية خاتون ضرورة إقصاء إخوة ابنها الأمير محمد من المشهد السياسي، خاصة أن السلطان مراد الثالث كانت لديه ذرية كبيرة، وكان لديه أكثر من 18 ابنا كلهم على أتم الاستعداد لتولي العرش العثماني.
حلمت صفية خاتون بلقب «السلطانة الأم» الذي ستحمله بعد وفاة زوجها السلطان مراد، وتولي ابنها محمد أمور البلاد والعباد.
فدبرت صفية مؤامرة دموية في هدوء وصمت، قررت تصفية جميع الأمراء لتأمين وصول ابنها بسلاسة إلى عرش الدولة العثمانية، كانت تعرف أن أيّ تهاون في خطتها قد يؤدي إلى الفشل وخسارة كل شيء، لذلك اتفقت مع جواريها وعبيدها.
ما ان أعلن عن وفاة السلطان مراد الثالث في يوم 19 يناير 1595م، حتى أعطت صفية خاتون إشارة البدء لتنفيذ مؤامرتها!
كانت وفاة السلطان مراد تعني ساعة الصفر لمخطط صفية خاتون، فعندما بدأت الاستعدادات في قصر طوب كابي، لإعداد جثمان العاهل العثماني، وإجراء مراسم العزاء ، حتى تحركت صفية خاتون على أكثر من مستوى.
في البداية أسرعت إلى جناح ولدها ولي العهد محمد خان شاهزاده تخبره بوفاة والده، وتطالبه بسرعة التوجه إلى الديوان السلطاني حيث وزراء الدولة في انتظاره، لإعلانه سلطاناً جديداً للبلاد
إلا أنه سأل أمه عن مكان تواجد إخوته غير الأشقاء، بعد أن لاحظ اختفاء معظمهم من مراسم العزاء.
أجابت ولدها قائلة: «لاتقلق يا عزيزي، فقد سبقوك إلى داخل الضريح ليكونوا في استقبال جثمان والدهم السلطان المعظم عند الدفن
لم يحمل السلطان محمد كلام والدته على المعنى الحرفي، لكنها كانت تعني ما تقوله حرفياً، فأبناء السلطان الثمانية عشر، سبقوه إلى القبر فعلا قبيل شروق الشمس في عتمة الظلام ولكن كجثث هامدة، فعبيد السلطانة صفية نفذوا أوامر سيدتهم، التي صدرت بضرورة الانفراد بكل أمير على حدة، ثمانية عشر من العبيد بعدد الأمراء، دخلوا على الأمراء في أجنحتهم، انقضوا عليهم خنقوهم بأوتار الأقواس الناعمة، في مذبحة بشعة.
وكما عرفت السلطانة الأم صفية خاتون كيف تسكت ابنها، عملت على إسكات الرعية وفرق الجيش التي وصلها الخبر سريعا، عندما وصل الخبر كانت قد تمت عملية (ضبط) القصة من قبل السلطانة الأم وحاشيتها.
وتم بث الخبر للعامة بهوية السلطان الجديد، و أن محمد خان ابن السلطان الراحل، قد أصبح سلطان البلاد الجديد، أما إخوته فقد قتلوا بعد أن أعلنوا تمردهم على السلطان الجديد وحاولوا الانقلاب عليه بل قتله، فكان الموت جزاء الخائن، هكذا تم القضاء على الإخوة ومسح ذكراهم بتشويه أفعالهم أمام العامة، خطوة ذكية لكنها دموية من صفية خاتون .
لم تكن تلك المذبحة التي أشرفت عليها السلطانة الأم صفية خاتون، إلا مقدمة لعهد سيطرتها على الدولة العثمانية .
استسلم السلطان محمد الثالث لرغبات والدته السلطانة الأم، التي أظهرت شبقا للسلطة لم يعرف أيّ حدود، وأحكمت قبضتها على إدارة الدولة بشكل غير مسبوق، حتى اتفق مؤرخو الدولة العثمانية على أنها المرأة الوحيدة التي مارست الحكم الفعلي في تاريخ الدولة العثمانية، بصورة فاقت كل من جاء قبلها وبعدها من نساء الحرملك اللاتي عرفهن التاريخ.
ظلت السلطانة صفية تتحكم بأمور الدولة وتسيرها كيفما شاءت طيلة فترة حكم السلطان محمد الثالث، وعندما توفي حاولت أن تهيمن على حفيدها «أحمد» الثالث، ولكن الأخير أبعدها عن البلاط وعزلها في قصر منيف شيده لها على البسفور.
وحين عزلت، شرعت صفية في البحث عن وسيلة تخلد بها ذكراها بعد أن أفل نجمها، وغلت يدها عن كل سلطة، ووجدت ضالتها في هذا المسجد المشيد بالداودية قرب شارع محمد علي بالقاهرة.
٢***امينة داود المفتي
اشهر جاسوسة في التاريخ العربي
ولدت أمينة داود في عام 1939في أحدى ضواحي عمان لأسرة شركسية مسلمة ميسورة الحال ومثقفة و ذات مركز مرموق حيث كان يعمل والدها تاجر مجوهرات و كانت والدتها سيدة مثقفة جداً حيث كانت قادرة على التحدث بأربع لغات و أيضاً كانت معظم صديقات والدتها من المجتمع الراقي و عمها كان رجلا ذا منصب مرموق ،حيث كان برتبة لواء في البلاط الملكي ، أما أمينة فقد حظيت بالحب و الدلال من قبل عائلتها، وعاشت طفولة مرحة مليئة بالسعادة و الحنان، تحصل على كل ما تريد مهما كان الثمن و بدأت أمينة تكبرو تظهر على ملامحها علامات الأنوثة و الجمال و بدأت تسخر من تقاليدنا العربية و تراثنا و تقاليد أهلها التي وصفتها بالقيود التافه !
في عام 1957 سافرت أمينة إلى النمسا وتحديداً إلى فيينا لاستكمال دراستها الجامعية بعد أن حصلت على مجموع قليل في الثانوية العامة وبدأت هناك حياة التحرر والانحلال، إلى أن اتمت دراستها وحصلت على درجة البكالوريوس في علم النفس الطبي من جامعة فيينا.
عادت إلى الأردن عام 1961 وغادرتها مرة أخرى إلى النمسا للحصول على شهادة دكتوراة في علم النفس المرضي لمدة 5 سنوات إلى عام 1966
تزوجت أمينة بعد ذلك من أخ لصديقتها وهو طيار حربي برتبة نقيب ، يهودي مقيم في النمسا ساعدها على الحصول على شهادة دكتوراه مزورة في الطب العلاجي .
كان اسم زوجها موشيه بيراد، واستبدلت اسمها بالاسم اليهودي الجديد (آني موشيه بيراد)عام 1967.
أصرت آني أو أمينة على زوجها أن يقوما بالهجرة إلى إسرائيل لأنها كانت تخاف أن يأتي أهلها لقتلها في النمسا؛ لذلك هاجرت هي وزوجها عام 1972 إلى إسرائيل حيث تقلد زوجها رتبة رائد طيار في سلاح الجو الإسرائيلي وفي آخر يناير 1973 أسقطت المدفعية السورية طائرته واعتبر من لحظتها مفقوداً إلى الآن.
بعد فقدان زوجها بدأت أمينة مشوار جاسوسيتها باعتقادٍ منها أنها تنتقم لفقدان زوجها على أيدي السوريين والفلسطينيين. تغلغلت في الفصائل الفلسطينية حيث عاشت في لبنان وتحديداً في بيروت وأقحمت نفسها في ملاجئ الفلسطينيين بحجة أنها طبيبة متطوعة لشفاء الجرحى ووصلت بدهائها حتى إلى مكتب الرئيس ياسر عرفات وحصلت منه على إذن موقع على تصريح يمكنها من دخول جميع المواقع الفلسطينية على أنها طبيبة ماهرة تشارك في تأهيل الجرحى وخدعته بتأئرها الزائف بوضع المشردين الفلسطينين وحماسها للمقاومة وما إلى ذلك.
في سبتمبر من عام 1975 تم اعتقال أمينة من قبل السلطات الفلسطينية بعدما انكشفت عمالتها وأنها كانت ترسل معلومات وتقارير غاية في الأهمية عن العمليات الفدائية وأسماء أفراد المخابرات الفلسطينية مع تفاصيل دقيقة عن تحركات وتواجد أهم شخصيات منظمة التحرير الفلسطينية وبعد اعترافها الكامل أُبقيت معتقلة لمدة خمس سنوات حيث تم مقايضتها بأسيرين فلسطينيين لدى الإسرائيليين. عادت أمينة إلى إسرائيل وحاولت الاتصال بأهلها في الأردن ولكنهم رفضوا التحدث معها وأخبروها أنهم يعتبرونها ميتة. لا يُعرف لحد الآن كيف أتمت حياتها.
في مطلع عام 1984 نشرت مجلة “بمحانية” العسكرية الإسرائيلية خبراً صغيراً يقول إن وزير الدفاع أصدر قراراً بصرف معاش دائم للمقدم آني موشيه بيراد التي تصدرت لوحة الشرف بمدخل مبنى الموساد، وهي لوحة تضم أسماء أمهر العملاء “ويطلق عليهم الأصدقاء” الذين أخلصوا لإسرائيل !!!