بقلم الدكتور / علي عبدالظاهر الضيف
عندما تجلس على إحدى المقاهي الشعبية في مصر سوف تسمع بعض العبارات الغريبة على مسامعك ولكنها ذات دلالة عميقة عند المصريين فإنك تسمع مثلا من يمتدح شيئا فيصفه بأنه (ميت فل و14 ولا تدري حقيقة سبب وجود الفكة 14 مع ال100 ) وعندما يتركه شخص ويسعد بتركه يقول (في ستين داهية) وهناك بعض الأسماء التي لها دلالات ذات مغزى وقت الشجار الذي يقع بين النساء فتسمع عبارة (أحمد يا عمر) مع تنغيمة بمد الصوت أحمد يا عوووومااااار !
وفي وسط الشجار ووصلة الـ (ردح) قد تسمع عن (أم ترتر) و(أم لطفي اللي بتولع وتطفي ) وتجد شخصا ينتوي شرًا فيتخذ القرار الخطير: (ها قلبها دندرة) !
تعالوا نتعرف أصول تلك العبارات فكل عبارة وراءها قصة تاريخية لطيفة :
أم ترتر
اسمها الحقيقي نفوسة كانت تسكن في حوارى كرموز و معروف عنها أنها من النساء ذات الشخصية القوية لم يسلم أحد من لسانها الطويل وفي الوقت نفسه كانت “عايقة” ترتدى الجلاليب و المنديل المزينة بالترتر، ومن هنا كان اللقب الذي أطلق عليها .
كانت أم ترتر تملك فوق السطح مزرعة تربية الفراخ و البط ،وكلهم برابر(إناث) .. ديوك الجيران كانت تنط على سطح أم ترتر لأغراض (غير بريئة ) ومصير الديك أو دكر البط الذي يقع على سطح أم ترتر عشوة للمعلم علوان زوج أم ترتر !! وكانت خبيرة في إخفاء أثر الديك من ريش وخلافه ومن ضاع لها ديك من الجيران تستعوض ربنا فيه؛ لأنه وقع عند أم ترتر فسؤال صاحبة الديك عن ديكها لا تحمد عقباه فأم ترتر سوف (تفرش لها الملاية) وقد تدخل معها في معركة غير محسومة العواقب !
ومن هنا كان المثل الشعبى “عند أم ترتر” يدل على استحالة أن تجد ما تبحث عنه لأنه وقع في يد من لا يرحم !
أم لطفي اللي بتولع وتطفي
هي السيدة نعيمه محسن القللي زوجة الحاج حودة لطفى الهردي أكبر قومسيونجى فترة الأربعينات في الإسكندرية و كان الحاج حودة متزوجا من ثلاث نساء قبل السيدة نعيمه لكن لم ينجبن سوى البنات في حين يحلم الحاج حودة بالولد الذى يحمل اسمه فقام بشراء سيارة بكار جديده لتكون هديه لمن تنجب الولد من زوجاته فادعت السيدة نعيمة بأنها حامل، واتفقت مع ام حسن الداية على خطف مولود ذكر من إحدى زبائنها بحجة انه مات، ونجحت الخطة وفرح زوجها بالولد وأطلق عليه اسم لطفى فأصبحت نعيمة من يومها أم لطفي وصاحبة السيارة البكار وكانت اول سيده في بحرى تمتلك سيارة و كانت مٌغرمة باستعمال النور العالي ( الرعاش ) بصفة دائمة حتى اشتهرت في جميع انحاء الإسكندرية بأم لطفى اللي بتنور و تطفى، و بعد مرور عدة سنوات عند ما أحست أم حسن الداية بسكرات الموت أخبرت الحاج حودة بالمكيدة التي وقع فيها، وانتشرت القصه فى أنحاء الإسكندرية ومن ساعتها استخدم الناس عبارة (عند أم لطفى اللى بتنور وتطفى) كنايه على المكيدة والخداع وعدم الالتزام بالعهود .
أحمد يا عمر
كان أحمد عمر شابا وسيما أسمر طويل يسكن بإحدى الحارات المصرية قديما أثناء دراسته الجامعية وفى تلك الأوقات كان جميع الرجال بالحارة في الحرب ووجود شاب وسيم كأحمد في غياب رجال الحارة كان بمثابه فتنه للنساء حيث أفتتنت به الكثير من السيدات واستسلم لرغباتهن فأصبح كل يوم يلهو في بيت إحدى جاراته وأقام علاقات غرامية مع غالبية سكان الحارة وأفشى أسرار كل امرأة للأخرى حتى انتشر خبره فأرسل رجل عجوز لرجال الحارة بما فعله أحمد عمر وعندما عادو بحثوا عنه كي يقتلوه لما فعله ولكنه كن قد لاذ بالفرار.
ومن بعدها أصبحت زوجة الرجل العجوز تعاير نساء الحارة بأسرارهن مع احمد عمر التي تعرفها كلها وفى مره من المرات وقفت لها أحدى نساء الحارة لتقول لها ومن أخبرك عن حكايتنا مع أحمد عمر إلا احمد عمر نفسه !! ومن يومها إلى الآن أصبحت جملة الردح الأشهر إذا ادعت إحداهنّ البراءة والشرف: “نعم يااا أحمد يا عوووماااااااار!” (مع المؤثرات الصوتيّة والبصريّة).
هاقلبها دندرة !
علي مقربة من القناطر الخيرية وفي يوم شم النسيم عام 1959، كانت مصر على موعد مع أبشع حادثة بحرية نهرية وهي غرق الباخرة «دندرة»، التي أطلق عليها الكثير من المؤرخين اسم «تايتانك مصر»، وقد هز الحادث، الوجدان الوطني باعتباره رمزا لأكبر كارثة نيلية عرفتها مصر، حتى أن كثيرين، ربما حتى يومنا هذا، يصفون أية حادث كبير بأنها «دندرة» ، واستغرقت عملية البحث عن الجثث 7 أيام كاملة، كما ظهرت جثثا بعد أسبوع على مسافة طويلة من مكان الحادث، وانتهت عمليات الإنقاذ وجمع الجثث إلى إصابة أكثر من 30 شخصا ووفاة 79 آخرين بين أطفال وسيدات ورجال. ويومها، قيل الكثير من الأسباب منها إن السبب الرئيسي في غرقها هو عدم الالتزام بعدد الركاب المسموح به، حيث كان عليها حوالي 250 راكبا، في حين أن العدد المسموح به هو 47 راكبا فقط.
وأصبحت «دندرة» كلمة مرادفة لكل حادث مهول، فكان الناس تقول، مثلا «قلبوها دندرة»،
ميت فل و14
يستخدم معظم المصريين، جملة «ميت فل و14»، للتعبير عن مدى كمال ما يتحدثون عنه، سواء كان إنسان أو سيارة أو منزل، لكن الكثير منا لا يعلم أصل هذه الجملة على رغم من انتشارها، وبالبحث وجدنا أنها قديمة وتضرب بجذورها في أعماق التاريخ، فيرجع السر وراء هذه الجملة إلى رسومات الحضارة الفرعونية، فكان لكل كائن، عدد محدد من المربعات لا يجوز الخروج عنها، وكان طول الإنسان العادي في الرسومات ١٩ مربعًا، وعرضه ٦ مربعات، أي أن ٦ ×١٩ = ١١٤ فجاءت هذه الجملة الأشهر لدى المصريين.
في ستين داهية
عبارة مصدرها التاريخ العربي فأول من قالها القائد العربي قيس بن المكشوح المرادي أثناء حصاره قصر فيروز الديلمي في صنعاء وقتل كل من ينتمي إلى الفُرس أو همدان والسبب التاريخي أن قبيلة همدان تحالفت مع الفرس ضد قبيلة مذحج ولحقن الدماء اتفقوا على الصلح وطلب الهمدانيين من مشايخ مذحج اللقاء بدون حمل السلاح من الطرفين للتحاور، وكانت مكيدة منهم لقتل هؤلاء الشيوخ فقتلوا منهم ستين شيخا
فلما حدثت الردة والمناوشات مع حاكم صنعاء تذكر القائد قيس بن مكشوح غدر همدان بمشايخ قومة بالتعاون مع الفرس وسعى للانتقام والثأر لهم من الفرس وهمدان ومع كثرة عدد القتلى من الجانب الآخر جاءت الوفود الوسيطة إلى قيس بن مكشوح معاتبين له لكثرة القتلى ومناظر الخراب والدمار، فأجابهم بهذه الكلمات القليلة “في ستين داهية” بمعنى كل هذه الضحايا والخراب من أجل أو ثأرًا لستين داهية أو كبير من قومه.
فكانت المقولة لتبرير قتل هؤلاء المجرمين ولكن العامة استخدمتها لغير ما وضعت له وحرفوا معناها إلى معنى اللامبالاة والاحتقار.