بقلم الدكتور/ علي عبدالظاهر الضيف
من ذكريات الطفولة ومن نافذة أطلت منها الروح في الماضي البعيد تناهت إلى عقلي تلك العبارة (طراطيش كلام) !
لا أقصد بها الكلام المتناثر الذي لم يتم التحقق منه، والذي لم يصل بصورة مكتملة، إنما هو مؤشر لكلام خطير سيأخذ مكانه على الساحة في القريب العاجل وهو المتعارف عليه في لهجتنا المصرية .
إنما قصدت جريدة (طراطيش كلام) !وهي أول صحيفة عملت بها ورأست تحريرها ليس بسبب الكفاءة أو السن إنما بالاقتراع أكثر من مرة حيث أبت الأقدار إلا أن تنصبني رئيساً على هيئة تحرير من أربعة أشخاص من بينهم أنا !
(طراطيش كلام) مدرسة فكرية تخرج فيها أربعة أعدهم من المتميزين فهذه العبارة أطلقناها على صحيفة بدائية حملت خلاصة فكر وجهد كل من :
محمد السايح
محمد رفيق
محمد عبد النبي
علي عبد الظاهر
كنّا نكتب فيها ما يحلو لنا في تلك الجريدة الورقية الصغيرة التي لم تتعد صفحاتها العشرين ورقة، ولم يتعد عدد نسخها المئتين، وكنا نوزعها مجاناً على خاصتنا من أصدقائنا وزملاء الجامعة وكان تمويلها اقتطاعاً من مصروفنا الذي نتقاضاه من آبائنا .
كانت حماستنا شديدة لهذا العمل الفكري الأدبي الذي أفرغنا فيه جهدنا وعملنا فيه بحماس شديد وهو أول ما احتضن أعمال محمد عبد النبي القصصية ومقالاتي الفكرية ورؤى محمد السايح وتحليلات محمد رفيق أبوشرخ .
رغم ما عانيناه من سخرية البعض وممن يشيعون الطاقة السلبية ويغرمون بتصدير الإحباطات عن طريق السخرية من هذا العمل والجهد .
كنّا نجتمع فوق سطح شقة زميلنا الفلسطيني محمد أبو شرخ بحدائق القبة حين نستمتع بنسمات الهواء المنعشة فتنتعش الروح بالأفكار الجميلة …
قمنا بعمل تحليلات إخبارية وقمنا بعمل استطلاعات رأي لقياس المستوى الفكري والثقافي لشباب الجامعات وسجلناه في الجريدة فيتلقف جمهورنا الصغير المفاجآت غير السارة حول مستوى طلابنا !
كنت اكتب افتتاحية الصحيفة ومقالا أخيرا موضوعه جماليات اللغة العربية أفرغت فيه كثيرا من مظاهر ثراء اللغة العربية ورويت بها أوراق تلك الصحيفة التي كانت بالنسبة لنا نافذة نطل بها على الدنيا !
ثم فرقتنا الأيام بعد صدور عدة أعداد لم تتجاوز أصابع اليد الواحدة، ولم نحقق الحلم الذي جمعنا وداعب مخيلتنا بأن تناطح جريدتنا المحبوبة روز اليوسف والشباب وغيرها …
انقضى الحلم وسار كلٌ إلى طريقه الذي رسمته لنا الأقدار :
محمد عبد النبي
بعد تخرجه في كلية اللغات والترجمة صار أشهر مترجم أدبي في مصر وروائيا يشار إليه بالبنان وله العديد من المؤلفات الإبداعية القيمة التي نال عليها أعلى الجوائز وأصبح اسمه يتصدر أخبار الأدب في مصر .
محمد رفيق أبو شرخ
بعد تخرجه في قسم الصحافة عمل مراسلا لعدة صحف عربية وكاتبا بها حتى انتهى به المطاف إلى مجال التدريب والتنمية البشرية الذي أفرغ فيه كل جهده حتى أصبح من أشهر مدربي التنمية البشرية ويتنقل بين عدة دول عربية وتتسابق الجهات المنظمة لهذه الدورات للحصول على موافقته بالعمل لديها .
محمد السايح
المثقف الذي لم يشغله منصب مدير بالتأمينات الاجتماعية عن مواصلة القراءة الأدبية وممارسة هوايته المفضلة في التهام الكتب التهاما
وشغلته وظيفته فأبدع فيها إبداعا لا يقل عما كان يسهم به في جريدتنا المحبوبة .
العبد لله
مازلت أعمل بالكتابة في الصحف حيث عملت فترة قصيرة بجريدة النهار الكويتية مدققا لغويا ورئيسا الصفحة الدينية في رمضان وكاتبا،فيها وفِي غيرها .
ومازلت في هذا المجال الذي أحبه بعد حصولي على الدكتوراه، يشغلني أحيانا التأليف في التاريخ حيث أصدرت كتاب ما اخفاه التاريخ وتحت الطبع (مزبلة التاريخ)
والتأليف في مجال التخصص وذلك بكتابي (فن التدريس بالقصة) وتحت الطبع لي كتاب يدور موضوعه حول الألغاز الأدبية .
وأخيرا توجت مجهوداتي بقبولي عضوا في اتحاد الكتاب المصريين .
عبثا حاولت جمع هذه الفرقة المميزة من أصدقاء الزمن الجميل فضاعت محاولاتي سدى إلا من رفيق العمر محمد السايح .
واختفى محمد عبد النبي من المشهد تماما بعد ما قام بعمل (بلوك) على فيسبوك لي بسبب خلافات فكرية !
ومازلت إلى الآن أقتفي أثره بمتابعة أخباره في الصحف .
انتقل محمد رفيق إلى مسقط رأسه فلسطين الحبيبة ومنها إلى تونس حيث يعمل هناك الآن وطابت له الإقامة بها فاتخذها مستقرا .
أما أنا فقد راقت لي الإقامة بالكويت وطني الثاني الذي أعشقه.
وظل محمد السايح في منصبه
فتشتت الرفاق بين ثلاث دول عربية !
أكتب تلك الذكريات والعقل يزدحم بالأفكار .. كيف أختم مقالي هذا ؟
أين الحكمة والدرس الذي أقدمه لغيري كي يستفيد منه ..؟
حقيقة لا أدري فما كتبته فضفضة لقرائي الأعزاء ، ولكن لعل الحكمة تقفز خلف تلك الكلمات قائلة:
اذا دارت في رأسك فكرة فقم بتنفيذها ومهما صادفك من عقبات فأنت قادر على حلها ولا تلق بالا بالساخرين فعليك أن تسعى وليس عليك إدراك النجاح .