بقلم الدكتور / علي عبدالظاهر الضيف
************
قصة تناقلتها وسائل التواصل تقول :
دخل علينا زميلنا في العمل مرتدياً بدلة رائعة، وعبثا حاولت منه معرفة اسم المحل الذي ابتاعها منه بكل السبل … ولكن ذهبت محاولاتي أدراج الرياح .
وذات يوم طلب مني نفس الزميل خدمة أقوم بها له فابتسمت بخبث وقلت: إن أخبرتني باسم محل البدل أخبرتك بما تريد.. وبالفعل أخبرني فأخبرته .. هكذا ببساطة !
انتهت القصة
– الآن ركّزوا معي :
لقد كنت (أنا) أملك المال لشراء البدلة وكنت سأشتريها بأي ثمن ولكن زميلي يملك معلومة لا أعرفها وبالتالي تصرّف من موقف قوة.
وحين احتاج (هو) إلى معلومة أعرفها اصبحت (أنا) في موقف قوي كذلك – وبدون الحاجة لإنفاق أي مبلغ.. وهذا ما يفسر القاعدة الهامة :
… المعرفة قوة …
لابد أن نعي أن المعرفة لها تأثير أقوى من المال.
ولن نحتاج جهداً كبيراً في إثبات تلك النظرية فنحن نشاهد هذه القاعدة بأعيننا ماثلة أمامنا من خلال المشهد العالمي:
لاحظوا معي :
الدول التي لديها المعرفة تتفوق بسهولة على التي (لا تعرف) مهما امتلكت من ثروة؛ فحين (تعرف) تقلب الموقف لصالحك وتحدد السعر الذي تريد، وحين لا تعرف ستخدع ويؤخذ مالك ثمناً لجهلك!
الدول العربية وبالأخص دول الخليج لديها من المقدرات المالية والثروات ما يجعلها (تملك) ولكنها ليست بقوة دولة (تعرف) وبالتالي لم يحقق المال السيطرة المطلوبة.
فحين نعقد مقارنة بين العرب والنمور الآسيوية مثلا (ولا أقارنها بدول أوروبا أو أمريكا فالمقارنة محسومة بطبيعة الحال إنما ستكون في المجال الإقليمي المتقارب) لنرى الفرق بين أمم استوردت المعرفة وأخرى استوعبتها وأنتجتها ..وشتان بين الثرى والثريا !
ماذا نفعل حين نحتاج جهازاً معينا ؟
إننا ببساطة نسارع إلى استيراده، ولو لم يكن موجودا فإننا سنذهب إلى الصين وهناك لن يقصروا في (تفصيله) كما نريد، ولكن تعالوا على الجانب الآخر ماذا لو احتاجت دولة مثل كوريا أو تايوان إلى نفس الجهاز ؟
إنهم ببساطة سيسعون إلى فهم فكرته وإنتاج مثله أو ما هو أفضل منه !
الخطورة يا سادة جسّدها أجدادنا في المثل العامي “خذ من التلّ يختلّ ”
نحن ننفق ثم ننفق ثم ننفق ولا ننظر إلا إلى ما تحت أرجلنا ثم نسأل أين تضيع أموالنا وثرواتنا !
قارون لم يرث ماله وهو مضرب المثل في الغنى ولم يعرف التاريخ من هو أغنى منه قد صرّح عن مصدر ثروته بقوله:
” إنما أوتيته على علم عندي”
بالطبع هذا الخير الذي أصبح فيه أغنى إنسان في التاريخ لم يكن إلا بتوفيق الله أولا ثم تلك المعرفة والمهارة التي حولته من شخص فقير إلى صاحب (مال قارون) سمها (شطارة، اكتشاف طريقة جديدة ، فهلوة ، بحث علمي ، …..) في النهاية هي المعرفة !
هناك دول صارت مثل قارون لم تكن ذات موارد ضخمة أو ثروات طبيعية وليست اليابان عنا بيعيد فقلة ثرواتها الطبيعية لا تخفى على أحد وكوارثها الطبيعية وزلزلازلها نشهدها بأعيننا.
كيف تحول هذا القزم إلى عملاق ؟
الإجابة بمنتهى البساطة هي الثروة المعرفية وهي كلمة السر في هذا التحول الذي يطلق عليه في تاريخ الأمم (انقلاب معرفي تم في لمح البصر) .
متى يدرك العرب هذه المعادلة السهلة :
أمة تعرف —-> تصدير للمعرفة = ثروة تتضخم يوما بعديوم
ولكن أنّى لهذه الأمة أن تدرك ؟
فأمة ( اقرأ) أصبحت لا تقرأ وإذا قرأت لا تفهم وإذا فهمت لا تعمل .
وبالتالي ستظل ثرواتنا حبيسة جيوب أصحاب المعرفة الذين يعطوننا الناتج النهائي ولا يطلعونا على كيفية اختراع ذلك المنتج .
ومع ذلك لا أنكر قول القائل :
بالعلم والمال يبني الناس ملكهم
لم يبن ملك على جهل وإقلال
فالقائل نفسه قدّم العلم على المال في بناء الأمم .
سؤال أخير ،،،، فرضنا جدلا أن دول العالم من أصحاب المعرفة رفضوا أن يعطونا منتجاتهم من أجهزة الاتصال مثل الموبايلات وأجهزة الكمبيوتر على سبيل المثال لا الحصر لسبب أو لآخر .. كيف سيكون حالنا؟
الإجابة تتلخص في كلمة واحدة :
كارثة ثم انهيار
فهل آن الأوان كي نفهم
انتهى الدرس يا عرب