بقلم الدكتور/علي عبدالظاهر الضيف
يعود هذا المصطلح إلى أكثر من خمسة وعشرين عاما حيث كنت في العشرين من عمري، وقد سمعته للمرة الأولى من أحد أستاذة كلية التربية أثناء المقابلة الشخصية للطلاب المرشحين للقب الطالب المثالي على مستوى الكلية، حيث عرض عليّ زملائي الترشح ؛ لأن الشروط كلها تتوافر في شخصي المتواضع، فضلا عن أني أحرزت للكلية المركز الأول في رياضة الملاكمة عامين متتاليين، ما رفع أسهمي في الترشح.. المهم، تم قبول ترشحي وأرسلت الأسماء للسادة المحكمين ..
يوم المقابلة الشخصية للمترشحين لاختيار الفائز باللقب أجلسنا الدكتور وسألنا :
ما س رانتشار الوقاحة بين الشباب ؟ سأقولها لكم بالبلدي :
ما السبب في التجحيش أمام الكبار ؟
كل طالب أدلى بدلوه، وبـ (لماضتي) المعهودة أخذت أتحدث عن انهيار المنظومة الأخلاقية وأعدد مظاهرها …. ، مع كلمتين استفدتهم من الندوات التي كنت أحضرها، على كلمتين درسناهم في الكلية … إلخ
تمر علي ذكرى تلك المقابلة بعد مضي هذه السنوات لأعود أتساءل إذا كنا نعاني منذ أكثر من عشرين عاما من التجحيش فبم نسمي ما نحن فيه اليوم ؟
التجحيش قد استشرى يشكل أصبح لا يطاق وأخذ صورا متعدة ووجوها عكرة تنغص علينا حياتنا حتى أصبحت ظاهرة ملفتة للنظر، تجدها في محيط الأسرة حين (يجحش) الولد في وجه أبيه وأمه وأخيه الأكبر، وحين (يجحش) الطالب في المدرسة في وجه معلميه وفي الشارع مع الناس وفي المواصلات مع الركاب.
المشكلة هنا تكمن من جذورها في عملية التربية والخلل الواضح في البناء القيمي للمجتمع .. أين الأب ؟ أين الأم؟ أين المدرسة؟ أين وسائل الإعلام؟ أين دور العبادة؟ هذه المؤسسات هي المنوطة بعملية التربية وهي المسؤولة عن التقصير الحادث في توجيه الشباب .
وحين نسوق الأعذار نجدها سهلة وقوالبها معروفة سلفا فالأب كان الله في عونه منهك ومنهمك في عمله والأم مسؤوليتها تنوء بحملها الجبال، والمدرسة لا تربي لفقدانها الرؤية والاهتمام بالناحية المادية وظاهرة الدروس الخصوصية، ووسائل الإعلام ليس لها علاقة بالتربية؛ فما تقدمه من مادة هو ما نخشى على أولادنا منه !
أما دور العبادة فيصدق فيها مقولة العز بن عبد السلام ” من كان في قوم تفشى فيهم الزنى وحدثهم عن الربا فقد خان” !
البلطجة سيدة الموقف الآن بنوعيها اللفظية والسلوكية، وأصبحنا لا نأمن على البنات من النزول في الشوارع؛ خوفا من سلوكيات إجرامية تنمرية من شباب غير مسؤول، ومن مجتمع لا يبالي واستسهل دور المتفرج ومن سلبيات تنذر بكوارث خطيرة .
المصيبة تتفاقم يوما بعد يوم وقاموس الألفاظ البذيئة يتسع كل يوم لمفردات جديدة غريبة، ومنها ما يحتاج لسلوك فعلي مصاحبا للسلوك اللفظي البذيء فيلزمه حركات باليد واللسان .. !
وفي الحقيقة إذا أردنا العلاج فأهم جهة حاليا منوطة به هي أكثر الجهات ضلوعا في تلك الكارثة فكيف نداوي بمن كانت هي الداء .. ؟
إنها وسائل الإعلام …
من الذي أفرز لنا أفلام السبكي؟ وتلك الظاهرة التي طفحت على القاع وهي ظاهرة (نمبر ون)؟ الذي أصبح قدوة لكل بلطجي والمسؤول عن الأزياء الغريبة والحركات المريبة والألفاظ العجيبة .
أين القدوة إذا كان هذا الشخص الذي يسمي نفسه الأسطورة هو المثل الأعلى للشباب حاليا .. ؟
أين القدوة وقد فقدت المدرسة دورها ولم يعد هناك أي صدى للمؤسسات الدينية التي تكتفي بإخراج تصريحات بين الحين والحين في أمور لا علاقة لها بما نعانيه !
كثير ممن يعيشون خارج مصر أسـألهم عن سر عدم التفكير في العودة إليها فيكون الجواب :
لا أريد أن يسمع أولادي وبناتي تلك الألفاظ التي نسمعها في الشوارع خوفا عليهم من تقليدها ومن ثم تشكل شخصيتهم فيما بعد .. ويتعذر تقويمهم فيعاني الأب من ذلك التجحيش !
الظاهرة قد استشرت بشكل أضحى التعامل معها وعلاجها في صعوبة بمرور الوقت كالقمامة التي تتراكم فتصبح يوما بعد يوم مرتعا للأوبئة التي تفرعت تلك المشكلة، فتتشعب الأمور وتتكاثر علينا المصائب وتضيع فرص العلاج ، ونعود فنبحث عن الجذور، ثم نعود نبحث عن الجذور ويدلو كلُ بدلوه، فنأتي بنظريات وتحليلات، وفي الوقت الذي يضيع في البحث عن أصول المشكلة تظهر مشاكل فرعية أخرى .. فنصبح مثل (خراش) الذي نطق بحاله المثل العربي :
تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد !
فقد ظهر لخراش صيد فجرى وراءه ثم ظهر له صيد آخر فترك الأول وهكذا كلما ظهر صيد تركه وفي النهاية عاد بلا صيد … لا تكونوا مثل خراش !
وأذكركم بقول الشاعر :
ومن يك حازما فليقس أحيانا على من يرحم .
أيها الآباء : لا تتركوا أولادكم ضحية لأفلام السبكي ومحمد رمضان وقوّموا لسانهم، وإلا ستكونون أنتم الضحية، فتضيع هيبتكم، ويصعب التوجيه في الكبر؛ فالصغر سن مناسبة للتقويم قبل فوات الأوان، وكونوا قدوة لهم في صون اللسان والعفة في القول والفعل فمصيبة الشباب والصغار فقدان تلك القدوة التي وجدوها سهلة في شخصية محمد رمضان فينشأ السلوك الـ (مرضان) ولا تتركوهم كثيرا في الشوارع يسمعون الألفاظ القذرة وراقبوا رفاقهم ومن يصاحبون فالصاحب ساحب، واحكوا لهم قصص أبطال الإسلام، وأسلافنا العظام ليعرفوا من هو الأسطورة الحقيقي، وقوموا لسانهم بكتاب الله والارتقاء بأرواحهم من خلال تعاليم دينهم وإلا فالخوف ثم الخوف ..
وخلاصة الأمر … من نشأ في طاعة الله فلا خوف عليه .