من أغرب قصص الاغتيالات الدبلوماسية
بعد استقلال الكونغو عن فرنسا .. أرسلت الأخيرة سفيرا لها يمثلها في كينشاسا / عاصمة الكونغو ، بعد عام على تعيينه وفي أحد أيام العطل الرسمية ، خرج السفير الفرنسي للنزهة والصيد .. وبين غابات الكونغو الجميلة رأى من بعيد أناسا متجمهرين .. فظنهم تجمعوا لاستقباله .. لكن الحقيقة أن هذا التجمع كان لقبيلة من آكلي لحوم البشر !!
فألقي القبض عليه .. وتم ذبحه وطبخه ثم تجمع عليه عدد من رجال القبيلة وأكلوه ..!
احتجت فرنسا بشدة على هذا الحدث المروع “أكل سفيرها” ، وأرسلت احتجاجا شديد اللهجة وطالبت الكونغو بتعويض يقدر بمئات الملايين لأسرة الضحية ، فاجتمع رئيس الكونغو بحكومته وتشاور معهم حول قدرة الدولة على دفع مبلغ التعويض ؟
إلا أن رد وزير المالية كان :
خزينة الدولة لا تملك هذا الملبغ !
انتهى الاجتماع ووجهت دولة الكونغو رسالة لفرنسا هذا نصها :
“تأسف الحكومة الكونغولية على حادثة أكل سعادة سفيركم ، و لأن دولتنا لا تملك الثروات ، و تعجز عن دفع المبلغ الذي طلبتموه ، فنقترح عليكم أكل سفيرنا لديكم” ..!!!!!!!
رد وتصرف يذهل أي مخلوق عاقل على هذا الكوكب وقد عبر عن كمّ من الحماقة يكفي قارة بأكملها !
البعض يظن أن الحماقة والتغفيل لا يتصف بها سوى العامة من الناس ولا يتصف بها الزعماء والوزراء وأصحاب المهن الراقية، وهذا الظن يجافي الواقع ؛فالحماقة والغفلة لا علاقة لها بالتحصيل العلمي والمراكز السياسية والتنفيذية المرموقة ….. فكم من طبيب يموت الناس بين يديه بسبب حماقته وتغفيله . وكم من مهندس تتهاوى المباني التي يشيدها على رؤوس الناس بسبب الغفله أيضا . وكم من ملوك ورؤساء وزعماء قبائل أوردوا الناس مورد الهلكة بسبب حماقتهم وتغفيلهم
فضيعوا البلاد والعباد .
حين قال الشاعر :
لكل داء دواء يستطب به
إلا الحماقة أعيت من يداويها
فقد شخّص حالا مستعصية لهذه الفئة التي لا تنفعها أي أدوية وقد حيرت الأطباء في علاجها !
ونحن عانينا كثيرا مع هؤلاء إذ يَرَوْن الحق أمامهم ولكنهم لا يبصرون، لديهم البصر ويفتقدون البصيرة .
المصيبة ان هؤلاء يستهلكون جهدنا وطاقتنا (كمن ينفخ في قربة مقطوعة) فأضاع جهده سدى وأضاع وقته وجهده بلا نتيجة .
يذكرني هؤلاء بما حدث لأبي نواس حين ظل يمتدح الخليفة بنوادر أشعاره البديعة والخليفة منشغل عنه بما هو أهم لديه ألا وهو جارية لها مكانة كبيرة عند الخليفة تسمى خالصة وفِي أثناء إلقاء الشاعر ما أبدع من أبيات شعريه انشغل الخليفة بإلباس الجارية الجواهر والذهب من الحلي ومضاحكتها ومداعبتها ولم يعره اهتماماً، فخرج أبو نواس غاضباً، وكتب على الباب:
لقد ضاع شعري على بابكم
كما ضاع درٌ على خالصة !
فشاهده الحاجب (ويقال إن خالصة شاهدت البيت وجرت إلى الخليفة تخبره بماكتبه الشاعر وهي تبكي) !
جاء الخبر إلى الشاعر أن أحدهم وشى به عند الخليفة فأسرع ليصلح البيت
وحذف تجويف العين من كلمة (ضاع) فصارت (ضاء) وصارت بهذا الشكل :
لقد ضاء شعري على بابكم
كما ضاء درٌ على خالصة
فلما رأى الخليفة البيت بهذا الشكل فهم القصة وضحك وسامحه بل أعطاه الف دينار جائزة على سرعة بديهته وذكائه فقال أحد الحاضرين :
هذا بيت قلعت عيناه فأبصر !
لم يكن الخليفة احمق قدر ما كان تصرفه أحمق مع الشاعر، ومشكلة أبي نواس أنه لم يحسن اختيار وقت إلقاء قصيدته !
فالحماقة هنا من الخليفة الذي لم يستحق أشعار شاعر عملاق كأبي نواس
ومن أبي نواس الذي لم يحسن اختيار الوقت .
الحقيقة التي لا يعرفها الكثير هي أنه
لكل مقام مقال .
فما نقوله مع العامة يختلف عن طريقة كلامنا مع الخاصة، وما نقوله للسامع وقت غضبه قد لا يحسن قدر ما يكون قولنا له وقت هدوئه .
وما نقوله للمنشغل قد يضيع سدى حتى ولو كانت جواهر الكلمات !
من يعطي جاهلا جوهرة فسوف يلعب بها الكرة، في حين أنها لو أعطيت لمن يقدرها لأعطاها قدرها .