بقلم الدكتور/علي عبدالظاهر الضيف
أعجب من حال بعض المتشددين الذين يمتعضون من أن نفحر بحضارة قدماء المصريين وعلينا أن نكتفي بحضارتنا العربية الإسلامية بالقول :
” إني أتبرأ من أصولي الفرعونية، عار عليَّ أن أنتمي إلى من حارب نبي الله ! ”
وهو يجهل أن المصري ابن الأكرمين والحضارتين .. تعالوا معي نتناول الحقائق التي قد تكون صادمة، وذلك بالعقل والمنطق والأدلة التاريخية من خلال محاور ثلاثة :
أولا : موقف المصريين من عقيدة التوحيد .
ثانيا : أخلاقيات قدماء المصريين ومن أين نبعت .
ثالثا : هل المصريون الفراعنة ؟
أما التوحيد فمن المعروف أن عقيدة التوحيد أرساها إدريس عليه السلام في مصر قبل طوفان نوح، فهو أول من خطَّ بالقلم، وعلمهم الزراعة وعلم الفلك كما ورد في البداية والنهاية لابن كثير، وعلى ذلك فالمصريون القدماء هم أول من عرف عقيدة التوحيد في الحضارات القديمة .
قد يردُّ البعض على ذلك بأن قدماء المصريين وثنيون؛ لتعدد الآلهة لديهم، ولكن ما كشفت عنه الدراسات الحديثة يؤكد أنَّ هذه المعبودات ما هي إلا مظاهر لقدرته، وتلك المعبودات المختلفة ليست سوى مقدسات ترمز إلى صفات مختلفة للإله الواحد، فالشمس دليل على قوة الله الكونية، والصقر ليس له جفون، والله لا يغفو عن رؤية البشر، والقطط مبعوثة العناية الإلهية لمكافحة وباء الطاعون.
وإذا تأملنا مناجاة أخناتون للإله لوجدناها تتشابه جدا مع ما جاء في مزامير داود وتحديداً المزمار 104:
“إن نور الله يشرق امامنا حيث كان، سواء في الجحور السفلي او في الظلمات، فلا يخشى من يتبعه ان يضل طريقه، الهي زدني حكمة وعلما حتى اكون شعلة تضيء ….”
حتى إن البعض قد رجح أن يكون أخناتون نبيا؛ لما له من دعوات إلى التوحيد وجمع كل مظاهر الإله المجسدة في أشكال مختلفة في الإله أتون الذي تتجلى قدرته في قرص الشمس.
كذلك الصفات التي نعت بها المصريون الإله الواحد مثل :
ب – وع = الرب الأحد
نب – إري – جر = رب العالمين
نثر – نثرو = رب الأرباب
وكلها تدل على ان الإله الذي يعبدونه هو الإله الواحد رب العالمين !
ويأتي دور السؤال من أين استقى المصريون القدماء الحكمة والأخلاقيات الرفيعة ؟
فلن أجيب عن هذا السؤال بل سأعرض لكم بعض التعاليم التي توارثوها وسأترك لكم استشفاف مصدرها :
هناك حكيم صعيدى اسمه «أمينموبى» عاش فى عصر الأسرة الـ ٢٠، الذي سبق عصر الحكيم لقمان ببضع سنوات، يقول :
الكمال لـ«الله» وحده، والعجز من صفة الإنسان، «سبّح الله وأعص الشيطان».
«لا تُظهر أمام الناس غير ما تُبطن، واجعل ظاهرك كباطنك، فإن الله يبغض الكذوب المخادع»، «إذا أذل الغنى فقيرًا، أذله «الله» فى هذه الدنيا، وأذاقه عذاب النار في الآخرة»،
أجتنب سيء الخلق فإنه أحمق ممقوت من الله.
لا تسرق مال غيرك، لئلا يقبض الله روحك فى لمحة بصر، ويُبدد أموالك، ويخرب بيتك، ويجعلك عبرة لمواطنيك، ولا تُغالط زميلك أو شريكك فى الحساب، فيبغضك الله، وتشتهر بالغدر والخيانة.
ليس شيء كامل أمام الله، لا تقل: أنا خالٍ من الذنوب، فإن الله وحده هو الذى يعرف المذنب والبريء، لتكن راضيًا بما يُعطيه الله، ما تفعله ظالمًا، لا يبارك الله لك فيه .
لا تقضِ الليل متخوفًا من الغد، فما يعلم إنسان ما سيكون عليه ذلك الغد، والله دائمًا فى حُسن تدبيره، الإنسان دائمًا في مأمن في يد الله .
إن الله يمقت الرجل صاحب القول الكاذب، والرجل ذا القلبين، إن الله يحب من يدخل السرور على الرجل الفقير، أكثر من الذى يحترم الرجل العظيم، ما فائدة الملابس الجميلة إذا كان الإنسان باغيًا أمام الله ؟
وعن الظلم قال الحكيم بتاع حُتب: “الظلم موجود بوفرة.. ولكن الشر لا يمكن أبدا أن ينجح على المدى الطويل، وعن الضمير قال: “الضمير المطمئن خير وسادة للراحة”.
ومما ورد من وصاياهم :
“ولا تفرضنّ ضريبة على شخص لا يملك شيئاً، وإذا وجدت فقيراً عليه دين كبير، فقسِّمه إلى ثلاثة أقسام، سامحه في اثنين، وابقِ واحداً .
ويقول أحدهم لولده:
“كن رصيناً في تفكيرك وثبّت فؤادك، ولا تتعود على أن تجدف بلسانك، ولا تفصلنّ فؤادك عن لسانك، تصبح مشروعاتك كلّها ناجحة، وثمة شيء آخر محبَّب إلى الربّ، وهو التروي قبل الكلام ”
عن أهمية النصيحة قال كاجمنى: “من السهل أن ينصح الإنسان غيره ومن الصعب أن ينصح نفسه”.
ومن شدة احترامهم وتقديرهم للأم يقول الحكيم :
“قدم لها العطور لينشرح صدرها.. وضاعف لها العطاء “.
وقال سنب حتب: “حب الأم يهب كل شيء ولا يطمع في شيء”، وقال أيضا: “الأم هبة الإله ضاعف لها العطاء فقد أعطتك كل حنانها ضاعف لها الغذاء، فقد غذتك من عصارة جسدها، احملها في شيخوختها، فقد حملتك في طفولتك، اذكرها دائمًا في صلاتك وفي دعائك للإله الأعظم، فكلما تذكرتها تذكرتك وبذلك تُرضى الإله”
ومن وصاياهم للزوجة التي أعطوها كل الحقوق والتقدير يقول بتاح:
“اعمل على سعادتها، ففي سعادتها سعادتك، وسعادة قلبك، حافظ عليها ما دمت حياً، لن تحافظ عليها بالقسوة والطغيان بل ستأسرها بالحنان “
وينصح الحكيم الأديب “آني”:
“لا تقسَ على زوجتك في دارها إن أدركت صلاحها، افتح عينيك وأنت صامت تدرك فضائلها، وإن شئت أن تسعد فاجعل يدك معها وعاونها .
أرأيتم هناك أرقى من هذه التعاليم التي نبعت من معين لا ينضب من حكم إلهية لا تتبدل كدستور للحياة الراقية ..؟
هل عرفتم من أتت تلك الأخلاقيات التي ساروا عليها ؟ فكم من نبي عاش بمصر، ومر بها، وولد على أرضها !
نأتي إلى القضية الشائكة … هل المصريون فراعنة ؟
أورد الله سبحانه قصة موسى في القرآن في مواضع كثيرة، وهو أكثر الأنبياء ذكرا في القرآن، وقصته مع حاكم مصر الظالم الذي ذكره القرآن باسم (فرعون) وهو من حكم مصر في ذلك الوقت(74) مرة .. في حين ذكر المولى في القرآن حاكم مصر في قصة يوسف بـ (الملك) خمس مرات ! ولم يذكره باسم فرعون .. لاحظوا ؟
اتخذ ملوك مصر القديمة خمسة ألقاب وهي :
(الحوري) (النبتى) (النيسو بيتى) (سارع ) (حر نوب) .
نلحظ أن لقب فرعون ليس من ضمنهم، كما أن اللقب يسبق ب(ال) التعريف ولم ترد كلمة فرعون في القرآن مسبوقة ب (ال) في ال (74 مرة في القرآن) فى إشارة واضحة إلى أنه اسمه المجرد «فرعون» وليس لقباً ، كما أنه من المعروف أن اللقب يأتي للتعظيم، ولا يعقل أن يعظّم الله بشرا ادَّعى الألوهية، وقال ” ما علمت لكم من إله غيري” !
وهناك من يرى أن كلمة فرعون أصلها (برعا )، ولكنها لا تعني الملك، بل تعني (القصر الكبير)، والتي ظهرت متأخرا بعد سيدنا موسى !
وهناك روايات تقول إن فرعون موسى من الهكسوس وهو ما يؤكد أن فرعون ليس مصريا إنما هو محتل غاصب ظالم .
وتأسيسا على ما سبق فمن غير المعقول أن ينسب كل المصريين بكل أجيالهم إلى شخص سطر اسمه بأحرف من ظلام أسود في مزبلة التاريخ !
وبناء عليه فمن الخطأ الفادح أن نسمي قدماء المصريين بالفراعنة وليس من المعقول أن هذا الشعب المسالم الطيب ينسب إلى هذا الظالم .
فأجدادنا هم المصريون القدماء وكفى .
نفخر بهم ونفخر بالانتماء إلى أمة الإسلام ..