هل سمعتم بهذا الاسم من قبل ؟
أكاد أرى من سمع عنها يهز رأسه احتراما وتقديرا لصاحبة هذا الاسم الكبير، أما من لم يسمع فأعرني آذنيك واحفظ هذا الاسم جيدا
آنا ماري شيميل
تلك المرأة التي قضت ستين عاما من حياتها تدرس العلوم الإسلامية والعربية وألفت ما يزيد عن 120 مؤلفا هاما في التاريخ الإسلامي !
مستشرقة ألمانية، تخصصت في الثقافة الإسلامية، والتصوف الإسلامي، وهبت حياتها للبحث واكتشاف تراث الإسلام، فأعادت الحياة إلى شخصيات كانت ومازالت مجهولة في الثقافة العربية.
ولدت العالمة الكبيرة 7 أبريل 1922 في مدينة إرفورت بوسط ألمانيا لعائلة بروتستانتية تنتمي إلى الطبقة الوسطى.
وكانت منذ طفولتها شغوفة بكل ما يتعلق بالشرق ومعجبة بكل ما هو روحانى وصوفي في الإسلام والأديان الشرقية الأخرى ، تعلمت اللغة العربية في الخامسة عشر من عمرها وقد تلقت إلى جانب العربية دروسا في مبادئ الدين والتاريخ الإسلاميين. ثم بدأت تدرس للدكتوراة حول مكانة علماء الدين في المجتمع وقد انتهت منها في نوفمبر 1941 وهى في التاسعة عشر من عمرها .. لكم أن تتخيلوا !
درست اللغة العربية وهي بنت 15 سنة وتنال بعدها الدكتوراه في سن ال 19 أربع سنوات فقط ثم تحصل على الدكتوراه !
ثم عملت كمترجمة عن التركية في وزارة الخارجية الألمانية. وفي وقت الفراغ واصلت اهتمامها العلمي بتاريخ المماليك. وفي مارس 1945، قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية بقليل، انتهت من رسالة الدكتوراه الثانية في جامعة برلين عن الطبقة العسكرية المملوكية.
وبعد قليل تم إجلاؤها مع بقية موظفي الخارجية ولكن سرعان ما قبض الأمريكان عليها وأُرسِلت بعد اعتقالها إلى مدينة ماربورغ. وبعد الاعتقال وجدت لها مكانًا لها في جامعة ماربورغ فكما كانت أصغر أستاذة في الجامعة .
ثم حصلت في عام 1951 على دكتوراه ثالثة عن مصطلح الحب الصوفي في الإسلام.
وعندما عادت إلى ماربورج 1959 أشرفت على إصدار مجلة فكر وفن التي تمولها الخارجية الألمانية. حيث قدمت أشعارا لأغلب الشعراء العرب المعاصرين مثل بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور ونزار قباني وغيرهم الذين نقلت بعض اشعارهم إلى الألمانية عام 1975.
وفى عام 1967 تمت دعوتها إلى العمل في جامعة هارفارد لشغل كرسى الثقافة الهندو-إسلامية حيث قامت بترجمة أشعار مير دارد الدهلوى وأسدالله غالب .
وكانت تلقى محاضراتها عن التصوف الإسلامي وهى المحاضرات التي كونت فيما بعد أحد أهم كتبها وهو كتاب “الأبعاد الصوفية في الإسلام”
عادت بعد تقاعدها عام 1992، وذلك بعد خمس وعشرين سنة من العمل في هارفارد وكمبردج، إلى بون حيث واصلت الكتابة عن الإسلام بالألمانية والإنجليزية للدفاع عنه.
وقد احرزت، رغم هجوم المناوئين لها ، عام 1995 جائزة السلام الألمانية التي يمنحها اتحاد الناشرين الألمان ويسلمها رئيس الدولة الألمانى.
وفي سنواتها الأخيرة نشرت وصفا لرحلاتها إلى باكستان والهند. ونشرت قصة حياتها في كتاب تحت عنوان “شرق وغرب: حياتى الغرب – شرقية”
من أقوالها :
– لقد جذبني عالم الشرق منذ كنت طفلة وبدأت تعلم اللغة العربية وعمري خمسة عشر عاماً وسأظل أحب العالم العربي والإسلامي حتى وفاتي “
– “لا أنتمي تماماً إلى هذا العالم (العالم الغربي) ، فأنا أعيش في الشرق أكثر مما أعيش في وطني “.
– أنا أعرف أن الكثير من أولئك الذين انتقدوني لم يهتموا قط بالإسلام، وأنا أعرف أن أولئك الذين أحدثوا ضجيجاً كبيراً لم يقرؤوا صفحة واحدة من مؤلفاتي، واكتفوا فقط بانتقادها. والسبب هو أني عثرت على عدة مظاهر إيجابية في الإسلام).
– إن الكثير من الأحكام الظالمة التي نلصقها بالإسلام ناشئة عن سوء فهمنا! إن من المحزن اليوم حقاً ألا يميز كثيرون في الغرب بين الإسلام وبين ما يلصق زوراً وبهتاناً بالإسلام أو ما يقترف من جرائم باسم الإسلام، فالإسلام بريء من الإرهاب الذي لا يمت إلى الإسلام بصلة… وتختم مقولتها ببيت (لغوته) في الديوان الشرقي الغربي:
– إن يك الإسلامي معناه القنوت… فعلى الإسلام نحيا ونموت).
من الجوائز التي حصلت عليها :
– جائزة (ريكيرت) من مدينة (شفاينفورت) بألمانيا سنة 1965م.
– قلادة القائد الأعظم (محمد علي جناح) من الحكومة الباكستانية عام 1975م.
– كما منحت درجة الدكتوراه الفخرية من ثلاث جامعات باكستانية: (جامعة السند وجامعة إسلام آباد عام 1977م وجامعة بيشاور عام 1978م) كما أطلق اسمها على شارع كبير بمدينة لاهور الباكستانية.
– جائزة (يوهان هينرس فوس) من المجمع الألماني للغة والشعر عام 1980م تقديراً لبراعتها كشاعرة في نقل عدد من المؤلفات الشعرية الإسلامية إلى الألمانية شعراً يمتاز بإشراق الديباجة وجمال التعبير وقوة الإحساس الإنساني في نفسها.
– إضافة إلى حصولها على وسام الاستحقاق الوطني الألماني من الدرجة الأولى سنة 1991م،
– جائزة السلام لسنة 1995م التي يمنحها اتحاد الناشرين الألمان، وتعتبر أكبر جائزة أدبية ثقافية ألمانية ذات صفة دولية، .
– كما حصلت من جامعة (أوبسالا) السويدية على الدكتوراه الفخرية تقديراً لأعمالها ولجهودها في التعريف بالثقافة العربية الإسلامية.
ومن مؤلفاتها أيضا:
1 -كتاب السيرة لابن الخفيف الشيرازي بالألمانية- 1955م.
2 – باكستان قصر ذو ألف باب بالألمانية 1965م.
3 – فن الخط الإسلامي بالإنجليزية 1970م.
4 – الآداب الإسلامية في الهند بالألمانية 1975م.
5 – الأبعاد الروحية في الإسلام بالإنجليزية 1975م.
6 – الإسلام في شبه القارة الهندية الباكستانية بالإنجليزية 1980م.
7 -محمد رسول الله بالألمانية 1980م وأعادت كتابته بالإنجليزية 1986م.
وبخصوص ديانتها أكدت شيمل باستمرار على أنها نصرانية الدين، بروتستانتية المذهب، إلا أن تناولها للثقافة الإسلامية بشكل عام، ومواضيع اختصاصها انطوى على الحرارة والقوة اللتين لا يتوقعهما المرء عادة إلا من مسلمة قوية الإيمان، وفيما اعتبر البعض أن أمر تديّنها بينها وبين ربّها، جزم البعض بإسلامها، والبعض ترك الأمر لحدس القارئ وذكائه، كان ذلك من خلال تركيزهم على ما كتبته أنا ماري شيمل عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم مما اعتُبر (دفاعًا عنه ضد تشويه الصورة الغربية) .
وفي نهاية شهر يناير من عام 2003م ، نعي إلى العالم شرقه وغربه ، رحيل المستشرقة الألمانية ” آن ماري شيمل” ، عن دنيانا عن عمر يناهز الثمانين عاماً ، تاركة وراءها تراث غنياً من الدراسات الإسلامية سيظل دائماً شاهداً على نبل المقصد ، ومحبة الحقيقة وشرف الكلمة والتجرد من الهوى المغرض ، فضلاً عما خلفته من احترام وتقدير لدى كافة الدارسين والمتخصصين في الدراسات الإسلامية والشرقية في عالمنا المعاصر .