المتهورون لا يدفعون الثمن وحدهم
السيد حجاج
منذ عام تعرضت لحادث مميت سبب لي اضرار جسديه أعاني منها حتى الآن، وستظل معي حتى القى الله شاكيا ذلك الشاب المتهور الذي قطع علي الطريق فجأة.
كان ولا يزال المتهورون سبب شقاء ومعاناة المئات من الذين أوجدهم القدر في طريقهم .
والتهور لغة هو السقوط للجرف . وفي الاصطلاح هو هيئة حاصلة للقوة الغضبية، بها يقدم على أمور لا ينبغي أن يقدم عليها.
اعتقدت سابقًا بأن الإنسان المتهور مبتلى بمرض نفسي، ولكن اعتقادي لم يكن دقيقًا.. فإن الشخصية المتهورة ليست مريضة ولكِنها تُعاني من التقلب في البُعد العاطفي بشكل كبير، ولديها سرعة فائقة في الانفعال لأتفه الأسباب، فهي صفة مذمومة تؤدي بصاحبها إلى الظلم والندم وصدق من قال: «في التأني السلامة وفي العجلة الندامة». والتهور أيضًا نتيجة لعدم وجود القدرة على الصبر والتأني والموضوعية في التعامل مع مختلف الأمور.
منذ ساعات قتل اكثر من ثمانية شباب في مقتبل العمر لا لشئ سوى التهور والمتعة في تخويف الناس على الطريق السريع ؟
فكلما ساقني القدر على الطريق وصادفني هؤلاء الفارغون ينتابني شعور اكيد بان ثمة مصيبة على وشك الحدوث وهذا الشعور يراود كل من يراهم ويرى تلك السرعة الرهيبة التي يقودون بها دراجاتهم النارية ..!!
شباب لايملكون الخبره ولا يتحملون ادنى مسؤلية .
راحوا بعدما رأو بأعينهم عشرات غيرهم سبقوهم لنفس المصير البائس والمحتوم.
يتحمل الاهل والمجتمع المسؤلية تجاة هؤلاء المتهورين.
والحلول بسيطة وليست مستحيلة .. يجب ان يقف نزيف الدم لأنهم يقتلون انفسهم وغيرهم ..ولقد رأينا جميعا ذلك المسكين الذي ساقه القدر وسط سباق الموت في احد الطرق الزراعية ليصطدم هو وزوجته واطفالهم الثلاثة و يلقوا ربهم شهداء لا لسبب سوى انهم كانوا في طريقهم إلى منزلهم ..ليصطدم بهم اثنان من المتهورين ،ثم يكمل عليهم الآخرين قتلا ودهسا .
هناك شيء ما ينخز في عقل المرء للمجازفة أو المغامرة، وربما التهور.. جميع هذه المصطلحات تحوم حول معنى واحد، هو الإقدام على الأمور جزافًا دون رؤية مسبقة أو تخطيط.. المجازفة والتهور تجعل لسان المرء وفعله متقدمين على قلبه وعقله، فيقع بسببها في أخطر المصائب التي من الصعب أن يتخلّص منها، وقد صدقَ رسولُ الله (ص) إذ قال: (ولا تكلَّم بكلام تعتذرُ منه غدًا).. كن على حذر وتحلّى بالتأني؛ لكي لا تقع فيما لا تريده.
كما أن التهور ليس محصورًا ببعض الكلام، فربما بالأفعال كذلك، على سبيل المثال فإن السرعة في القيادة تُعد من أخطر التهورات على حياة الانسان وعلى المجتمع أيضًا! ربما الذي يقود السيارة بارعًا جدًا ولكن من فرط السرعة لن يتدارك المأساة التي سيقع بها.. لا تتهور في سياقتك، فإن كان هذا التهور سوف يصلك قبل موعدك بدقيقتين، ربما تخسر روحك في هذه الدقيقتين، وكم من الضحايا ذهبوا من الذين يسرعون بطريقة قاتلة لهم وللذين يحيطونهم.
ومن الشائع في أوساطنا بأن الأمور غير المدروسة في هذه الحياة تندرج تحت الطيش والتهور، وهناك البعض يظن بأنه إذا كان متهورًا في حياته يُطلق عليه بالشجاع.. ولكن هناك فرق شاسع بين التهور والشجاعة، فإن الشجاعة تعني الصبر والثبات والتعقل قبل الإقدام على الفعل، وبالإضافة الى ذلك يتطلب الأمر قليلاً من الصبر والقدرة على التغلّب في أصعب المواقف.. والشجاعة لا تقاس بقوة البدن أو اللسان، بل أصلها يكون في القلب، فعندما يُزرع الصبر ويتحلّى بالسكون ويثبت القلب.. بعد ذلك تنبت الشجاعة في روح الإنسان. وشخصية الشجاع أيضًا عندما تحلّ المأساة عليه، يكون مدركًا لحجم الخطر الذي سيواجهه وسوف يقدم عليه، عكس المتهور تمامًا، فهو غير واعٍ لما قد يترتب على أفعاله، وهذا أمر شنيع جدًا.
الإنسان الشجاع هو من يمتلك القوة الحقيقية التي تمكّنه من مواجهة الحياة بكل قوة وعزم، وأيضًا يستطيع أن يواجه المخاطر لكي يصل الى هدفه وارتقائه في الحياة من دون تردد أو خوف، ويؤدي جميع واجباته ولا يتنازل عن حقوقه، أما شخصية المتهور الذي يرمي نفسه في المهالك ظنًا منه بأنه شجاع فإنه ينزل من سلم النجاح ولا يقوم بالصعود.
توقف عن العمل الذي يكون من دون عقل وإدراك، فنهايته سيئة جدًا لك وللجميع..
وخلاصة الأمر أن الشجاعة تفكير وتعقل ثم عمل، أما التهور فعمل ثم تفكير في العواقب، فشتان بين الاثنين
واخيرا ..
رحم الله الجميع .
المتهورون لا يدفعون الثمن وحدهم.