كتب – احمد علي
”أنتي عارفه ان كلمتي لا يمكن تنزل الأرض أبدا”، هكذا وقف عبد الفتاح القصري يصيح في زوجته التي تعامله بقسوة في فيلم ”ابن حميدو”، ولكنها صرخت قائلة ”حنفي” ليرد قائلاً: ”خلاص هاتنزل المرادي.. بس اعملي حسابك المرة الجاية لا يمكن تنزل ابدا”، هذه هي احدي الجمل الأشهر التي قيلت في فيلم ”ابن حميدو” ومعها جملة أخري هي ”نورماندي تو”.
كل هذه الايفيهات التي اشتهر بها عبدالفتاح القصري الذي ولد يوم 15 من إبريل 1905 بحي الجمالية بالقاهرة,أطلق الفنان عبدالفتاح القصري عدة ايفيهات منذ قرابة النصف قرن ولا تزال تعيش بيننا حتى الآن، وتعد من أشهر ايفيهاته عندما قال في فيلم ”سكر هانم” مخاطباً عبد المنعم ابراهيم الذي كان يتنكر في هيئة امرأة قائلاً له ”انت ست انت.. أنت ست أشهر”.
بدأ عبدالفتاح القصري حياته ضمن عائلة ثرية تتاجر في الذهب، ولكنه لم يدخل في هذه التجارة، ودفعه نجيب الريحاني الي الاحتراف حين طلب منه ترك مهنه صناعة الذهب والتفرغ تماماً للفن وعوضه فى سبيل ذلك بمرتب مغر وثابت ثمن له لاستقرار حياته، وبعدها حقق القصري نجاحاً مذهلاً علي خشبة المسرح، لفت اليه الانظار، تهافت عليه المنتجين، بحث عنه المخرجين لضمه الي الافلام السينمائية، التقطوه وقدموه في الأفلام الكوميدية.
قدم القصري ما يزيد عن 70 فيلماً سينمائياً، أضحك الملايين بهم، أصبح نمطاً من الأنماط يتم تقليده، تفوق في تجسيد أدوار ابن البلد البسيط، كان قاسماً مشتركاً في أعمال اسماعيل يس ونجيب الريحاني، عاش حياة فنية هدفها الاول اسعاد الجماهير، ولكنه لم يلق من يسعده ويرسم البسمة علي وجهه، بل كان تعرضه للعمي علي خشبة المسرح وقت تقديم مسرحية مع اسماعيل يس كانت بداية المأساه، حينما صرخ القصري علي الخشبة قائلاً: ”لا أستطيع الرؤية.. مش شايف.. نظرى راح ياناس”، اعتقد الجمهور أنه يمزح ضمن الاحداث الخاصة بالمسرحية، الا ان اسماعيل يس ادرك أنه أصيب، أخذه الي الكواليس.
لم تكن هذه هي المأساة الوحيدة التي عاشها عبدالفتاح القصري بل بعد اصابته بالعمي، طلبت زوجته صغيرة السن الطلاق منه بعد أن كتب لها جميع أملاكه، وتزوجت من صبي كان يعطف عليه وتركته حبيساً في غرفة بمفرده، الي أن أصيب بتصلب في الشرايين وفقدان الذاكرة، فأضطر أن يعيش في منزل شقيقته بحي الشرابية. أصبح الانهيار دراماتيكا واصلاً الى القاع الذى ليس من بعده قاع، أنها سيرة كوميديان بدأت بضحكات عالية ثم انتهت بأنات مكتومة ربما لم يسمعها صاحبها أو على الأقل لم يعيها، لم يرحمه أحد ولم يقف بجواره شخص وقت مرضه وحتي مماته، عبدالفتاح القصري الذي توفي في الثامن من مارس، لعام 1964 لم يحضر جنازته سوى أربعة أفراد شيعوه إلى مثواه الأخير .