بقلم هشام صلاح
” قالوا بين العبقرية والجنون شعرة ” نعم ” وإن من البيان لسحر “
إنه الشاعر السودانى إدريس جماع – ترى هل كان ضحية الحب أم خيبة الوفاء !؟
* روى أن اﻷديب عباس محمود العقاد – رحمه الله – سمع أبيات من الشعر فطرب لها ، وﺳﺄﻝ ﻋﻦ قائلها فقالوا له :
” إنه الشاعر السودانى《ﺇﺩﺭﻳﺲ ﺟﻤَّﺎﻉ》 وهو الآن ﻓﻲ ﻣﺴﺘﺸفى ﺍﻟﻤﺠﺎﻧﻴﻦ فلم يملك نفسه فقال : ” عبقري مجنون ” ﻫذا ﻣﻜﺎﻧﻪ، ﻷﻥ ﻫﺬﺍ الكلام ﻻ يستطيعه ذو الفكر!
* روى عنه أنه ﻓﻘﺪ ﻋﻘﻠﻪ ﻓﻲ آﺧﺮ ﺃﻳﺎمه ﻭﺩﺧﻞ مصحة للأمراض العقلية ففضل ﺃﻫﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﺎﻟﺠﻮﻩ ﺑﺎﻟﺨﺎﺭﺝ. واثناء سفره وأثناء وجوده باﻟﻤﻄﺎﺭ ﺭﺃى اﻣﺮأﺓ ﺟﻤﻴﻠﺔ برفقة زوجها؛ ﻓﺄﻃﺎﻝ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ والزوج يحاول أن ﻳﻤﻨﻌﻪ ﻓﺄﻧﺸﺪ ﻳﻘﻮﻝ فيها :
أعلى الجمال تغار منا ماذا عليك إذا نظرنا
هي نظرة تنسى الوقار وتسعد الروح المعنّى
دنياي أنت وفرحتي ومنى الفؤاد اذا تمنّى
أنتَ السماءُ بدتْ لـنا واستعصمتْ بالبعدِ عنا
هلاَّ رحـمتَ مـتيمـا عصفت به الأشواق وهنا
وهفت به الذكرى فطاف مع الدجى مغنى فمغنى
هـزته مـنك مـحاسن غنى بها لـمّـَا تـغنَّى
*****************************
* ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺫﻫﺒﻮﺍ ” بإدريس جمّاع ” ﺇلى ﻟﻨﺪﻥ ﻟﻠﻌﻼﺝ هناك شاهد إحدى الممرضات فأُﻋﺠﺐ ﺑﻌﻴﻮنها ﻭﺃﻃﺎﻝ ﺍﻟﻨﻈﺮ فيهما ، ﻓﺄﺧﺒﺮﺕ الممرضة ﻣﺪﻳﺮ المستشفى ﺑﺬﻟﻚ ﻓﺄﻣﺮﻫﺎ ﺃﻥ ﺗﻠﺒﺲ ﻧﻈﺎﺭﺓ ﺳﻮﺩﺍﺀ ﻓﻔﻌﻠﺖ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎﺀﺗﻪ ﻧﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺟﻤﺎَّﻉ ﻭﺃﻧﺸﺪ :
وﺍﻟﺴﻴﻒ ﻓﻲ الغمدِ ﻻ ﺗُﺨشَى مضاربُه ﻭﺳﻴﻒُ ﻋﻴﻨﻴﻚِ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﻦ ﺑﺘّﺎﺭُ
ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗـُﺮﺟﻢ البيت ﻟلممرضة ﺑﻜﺖ بكاءا شديدا وملك برهافه حسه وجدانها
ﻭقد ﺻُﻨﻒ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻴﺖ بأﺑﻠﻎ ﺑﻴﺖ ﺷﻌﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺰﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ!
ولد الشاعر السوداني إدريس محمد جماع في مدينة حلفاية الملوك عام 1922م، و توفي عام 1980، وقد حصل على درجة الليسانس في اللغة العربية والعلوم الاسلامية من دار العلوم بمصر و دبلوم التربية وعمل مدرساً بالسودان بعدد من المدن السودانية ثم عمل بعد ذلك بمعهد المعلمين بالزيتون فى مصر، ثم عاد الى دولة السودان عام 1952 وبعد عودته وجد محبوبته قد تزوجت بغيره فأصيب بحالة من الاكتئاب وآثر العزلة فادخل مصحة فى السودان وكتب فى ذلك يقول : ” في ربيع الحب كنا “
في ربيع الحب كنا نتساقى و نغني
نتناجى ونناجي الطير من غصن لغصن
ثم ضاع الأمس مني وانطوت في القلب حسرة
إننا طيفان في حلم سماوي سرينا
واعتصرنا نشوة العمر ولكن ما ارتوينا
إنه الحب فلا تسأل ولا تعتب علينا
كانت الجنة مأوانا فضاعت من يدينا
ثم ضاع الأمس مني وانطوت في القلب حسرة
*** وإليكم عزيزى القارىء مختارات من أجمل قصائده
” رحلة النيل “
النيل من نشوة الصهباء سلسله وساكنو النيل سمار وندمان
وخفقة الموج أشجان تجاوبها من القلوب التفاتات وأشجان
كل الحياة ربيع مشرق نضر في جانبيه وكل العمر ريعان
تمشي الاصائل في واديه حالمة يحفها موكب بالعطر ريان
” وحشة الليل “
ماله ايقظ الشجون فقاســــت *** وحشة الليل واستثار الخيالا
ماله فى مواكب الليل يمشى *** ويناجى اشباحه والظـــــلالا
هين تســتخفه بسمة الطفل *** قــــوي يصـــــارع الاجــــــيالا
حاسر الرأس عند كل جـمال ***مستشف من كل شئ جمالا
ماجن حطم القيود وصـــوفى *** قضى العمر نشــــــوة وابتهالا
** ولقد لخص شاعرنا حياته فى أبيات تقول :
إنّ حظّي كدقيق فوقَ شوكٍ نثروهُ
ثمّ قالوا لحُفاةٍ يومَ ريح إجمعوهُ
صعُبَ الأمرُ عليهمْ قلتُ يا قوم اتركوهُ
إنّ من أشقاهُ ربِّي كيفَ أنتم تسعدوهُ؟
تلك كانت قصة شاعرنا ” إدريس جماع – ترى هل كان ضحية الحب أم خيبة الوفاء !؟