الرصد وزاوية الرؤية
بقلم /مجدي بكر أبو عيطا:
إن الحقبة الأخيرة من الزمن أحدثت متغيرات ربما لايستطيع تقبلها الكثير ممن عاشوا في كلاسيكية الزمن وتعودوا على نمط الأداء بصورته المعتادة والتى جرت عبر عقود من الزمن تعدت قرن من الزمان ورغم أن التغيرات تنوعت فى كل شئ إلا أن الكثير من الناس لايرحبون بذلك التغيير المفاجئ لأنه حدث جديد ويحمل داخل النفس صراع بين القبول به وبين الرفض ولكن تهذيب المواجهة وتربية النقد يكون عليها دور كبير فى عرض ومواجهة ذلك كله لأن مايرفضه فئة من الناس قد يجد هوى لدى آخرين وأن احتلاف الرأى يجب أن يكون مبني على احترام الآخر وإن لم يجد فى جعبته قبولا واتفاقا
إن ما يتم نشره وإذاعته عبر قنوات الاتصال ومواقعه المتعدده المذهلة فى حقبتنا الزمنية الأخيرة أحدثت ذهولا وعجبا كبيرا ربما لأصحاب المهنة والاختصاص فلم يرى المتخصصون ما يرونه فى هذا الزمان من تعددية المواقع وتنوع النشر بل إن كل فرد فى المجتمع استطاع أن يبلغ الخبر وينشره ويتواصل مع كم كبير من الناس مالا تستطيع كبرى الصحف اليومية فى عقودها الأخيرة من الانتشار والتوزيع فإن صفحة لشخص عادى يكتب كلمات محدودة يعلم بها القاصى والدانى فى أطراف الأطراف قد يرى كثير فى هذا انحدار كبير وتطور مذهل ولكن ليست المشكلة لدى مجتمع معين ولكن الدنيا كلها أصابها ذلك التغير بل إن مجموع الصحف فى بلادنا لاتسطيع أن تكون مساوية لمجموع الصحف فى مدينة بفرنسا فإن الحوارى والأذقة والشوارع بل ربما الحى والمسكن الواحد وأرباب المهن المتنوعة والأعمال كل لهم تواصلهم وأخبارهم وصحفهم المتداولةومواقعهم وصفحاتهم
ولكن ما يجب الوقوف فى هذا التواصل البشرى الكبير هو مراعاة الآداب العامة والذوق الرفيع لأدب النشر بل ضرورة التربية المجتمعية وتربية الرأى العام وتنميته لكى يستطيع المجتمع الحفاظ على سلوكياته وأخلاقياته
وإن الرصد المجتمعى أو السياسي يجب أن يراعى الحكمة والتروى والثقافة والإلمام الصحيح بالخبر أو الرأى الحكيم الرشيد سواء من المرسل أو المتلقى وياليت قومى يدركون ما نقول بوعى كبير فمهما اختلفت الآراء والأفكار لايعنى ذلك الكراهية أو التعصب أوالهجوم أو النقد الجارح ولكن من يرسل خبرا أو ينشره أو يرصد حدثا ففرق كبير بين من يسجل حدثا وينشره وبين من ينتمى لخبر أو حدث لأنه لايعمل فيه برأيه ولكن الذين يحملون فى أنفسهم غيظا أو كراهية أو هجوما أو تربصا بالغيرأو حسابات لديهم فإنهم لايطيقون مجرد نشر أو رؤية ما لايرضيهم فينصبون بوابل من النقد الجارح أو الاساءة التى لاتتناسب مع أهل الرأى والفكر والثقافة مما يحدث لغطا مجتمعيا وخلطا ثقافيا ويخرج القيم المجتمعية من مضمونها ويحدث إنعكاس متردى لتلك الثقافة
فليس نشر رأى أو رصد حدث أو خبر نفاقا أو تبعية لأحد ما دام لايعمل بالرأى أو الابداء فيه حتى ولو كان كذلك فهو انتماء للرأى وإفصاح لصاحبه عن ميله ولكن مادام لايحمل إساءة لقيم ولا لأفراد بعينهم ولا يحمل مضرة لقيم المجتمع وقوانينه وآدابه وأخلاقياته فلا غرو ولاعيب في ذلك ولكن المتعصبين والمتربصين والذين يريدون أن يبنوا نجاحاتهم على جثث الآخرين والتفشيل لهم بتناول الاساءة والشر المستطيرللآخرين فمن يرى أن ذلك نفاقا ومن يرى ذلك تربحا أو تكسبا وكسب مواقف إلى غير ذلك من الحديث المفرط والمسهب في النقد الذاتى المسئ دون إثبات أو دليل أو تأكد ولكنه الهجوم بالرؤية والشبه بشعار من أراه فى ميدان لأحبه فهو خصمى علما أنه عندما يجده في ميدانه يسره ذلك ويسعده وكأن الأمر استقطاب وإساءة
إن زاوية الرؤية التى ينظر منها الشخص قد تختلف ولو انتقل من مكانه واتخذ زاوية جديدة ستراه ينظر بمنظور مغاير ومخالف لتلك الوجهة المرسومة لديه والمكونة عنده تجاه الخبر أو الرأى أو الحدث فلو اتخذ مكان من ينقده هل سيقبل بما يصبه على الآخرين وهل سيكون منصفا لو مكنه الزمان من مكان من ينتقد وهل سيقبل بأن يكون أداة لعجلة النقد الجارفة الجارحة نحن لسنا ضد النقد ولا الكبت ولا تقييد الحريات ولا التعبير عن الرأى ولكن بحاجة ماسة للإعلاء من قدر وقيمة الأداء النقدى وإن المؤسسات المتخصصة في تربية الرأى العام والإعلاء من الذوق والسلوكيات السوية فى المجتمعات عديدة
إن الانحدار الكبير فى الأداء المنخفض فى كثير من أمور حياتنا المتنوعة وميادينها المختلفة ومؤسساتنا ليس راجع إلى الأفراد وحدهم ولكن على المجتمع وعلى أهل التخصص الدراية أن يقبلوا بتنمية وتدريب المجتمع والإعلاء من العرض والنشر بقيمه وآدابه ومراعاة حق المتلقى فى لغة راقية ورؤية سليمة غير خادشة للحياة والقيم
إن الرصد المجتمعى لأحداث اليوم والساعة حق للجميع الحديث عنه ولكن يجب أن تكون زاوية الرؤية أكثر وضوحا للمتلقى قبل إطلاق وابله النقدى أو رأيه كان مؤيدا أو معارضا أو اختلف انفعاله تجاه ما يعرض عليه ولكن التروى والتمهل والدراية بالخبر والقراءة الممعنة الواضحة تعين على تناول فكر وثقافة مجتمعية مبنية على احترام فكر الآخر ومراعاة حقهم فى القول مالم يخل بمنظومة الأدب والقيم والقانون لكى نستطيع أن نحدث تواصلا أكثر إيجابية