مشهدية التوافقية الفنية في التراكيب الخطية التقارب والتجاذب
خالد البعو انموذجا
كتب الناقد التشكيلي الدكتور حازم السعيدي
يعنى التوافق لغة وتعبيرا بما اتفق عليه من فهم والزام ويرجأ الى التقارب في الوحدة الموحدة بين طرفي المشهدية الفنية التي ذهب اليها (خالد البعو) في جعله الطرفين الخط العربي والرسم الحر ملتقى للتعبير واللذان يجيد اخراجهما باسلوب حيوي وكلاهما يعدان اتفافية تجاربية هادفة اجتمعت ازاء رؤياه وفكره في وضعه الحجر الاساس لمهارتين في الفنون التشكيلية وصفتا حقا بجمالية الجمال الصرف حد مساواة وصلت للتطابق في ان يكون مهاري في الخط العربي لما يمتلكه من احترافية وخبرة كما في الرسم الحر وهنا نكاد نتفق بعد تفحص منتجه الفني على ان نتقبل تلك التوافقية ونعلن الحق في كونه فنانا جامعا ومحترفا بعد مغالبتنا لانظمة الترتيب .لتشكيلها بالتالي أبعادا زمانية ثابتة وشبه مكانية ايقاعية في اعتقاد جازم لا يستغرق سوى برهة بحركة العين في عملية الادراك بالنظر اليها حتى يشكل الايقاع نمطية تلك البرهة في مواضع العمل ذاته كتأكيد على اثراء الفعل الجمالي فيما يقدمه “البعو” من تقنيات تطبيقية واعمال اشغالية فنية تعرض الى انتاجها وفقا لاستعماله الآلة في الحفر كالتي قام بها في الخط العربي ان ترك الاثر الفني في خامة الابلكاج “الخشب المعاكس “او “بي دي اف “وكلاهما يمثلان حركة تواصل الفنان في افراغ الارضية عن الحروف المنتقاة , في تأكيد لا يخلو من المتعة في تكرار الشكلية ولونها ليصبح العمل اكثر دينمية , اي بمعنى ان “البعو ” لم يتوقف في تخطيط حجم الحرف العربي شكلا ومضمونا على الخامة وانما ذهب بها الى الحفر الميكانيكي سواء باستعماله آلة الحفر “المنشار اليدوي او الكهربائي ” وهو بذلك اجاد في علاقة النحت وحفرياته بعد الخط العربي في موضع التنفيذ , ومن السهل ان يتم نمذجة المشهدية وتكرارها التجاري الآلي الرتيب عبر الاستنساخ بقابلية طبعها “سكيتش” على ارضيات اخرى .
ولو تأملنا لوحاته في الخط العربي المشغولة بمشقية الخط الجلي ديواني نجد البساطة في التنفيذ “وقل رب انزلني منزلا مباركا وانت خير المنزلين ” وكتبتها كانت لمرة واحدة وعدم الخوض في تعقيدها وتركيبها المفرط وجاءت من يمين السطر الاسفل باتجاه عليائه الايسر مع اضافة وحدتين زخرفيتين نباتيتين لملأ الزاويتين العلوية اليمنى و السفلية اليسرى ,وتجىء هذه اللوحة في معناها باخضاع الزخرفة الى صفة التبادل الهندسي في حركة الزوايا اما حركة الخط فجاءت بصفة الحركة اللولبية وكلاها معني بالايقاع غير التماثلي, وعلى الرغم من افتقار اللوحة الى الالوان فهي تبين حالة التجربة الجمالية وفقا للحركتين داخل اللوحة ,فلاغلو ان التوافق الرتيب في تصميم هكذا لوحة يتميز في محورين الاول ان اللوحة تعد موضوعا ماديا والثاني يكون في الادراك الجمالي وبالتالي ان ما ابداه “البعو” في تسيير تلك الحركة لينصب حقا في تحقيق الاحساس في تجربة المتلقي اكثر من تجربة الفنان ذاته , فضلا عن أهمية فكرة التبسيط في التنفيذ الخطي لا النحتي لمسطح المخطوطة يعبر عن الرغبة بالابتعاد عن الجمود الذي قد يحصل من عدمه ,لذا ان التبسيط يرجأ المتلقي في تحليله وفهمه الى الحيوية والحساسية والتوثب والاندفاع في واقع شأنه التقارب والتجاذب واحالة المخطوطة برمتها نحو النحت بعد تجنيس الخط في ذلك وايجاد وسيلة اسلوبية تنتهج فكرة “القولبة ” .
اما في تناول”البعو” لمصورات ملئت بالعجينة الخشبية والورقية في مجال التصوير بالنحت بعيدا عن خامة الاحجار والمعادن وهو اسلوب يرجع في بعضه الى التخطيط الاولي ثم ملء فراغاته ,مما يدعو الى الاهمية الايجابية في الفن فمن حيث صبغة التميز وهي بالتالي موضوعات جمالية جادة تكون رؤية تطبيقية لمشغولات اكثر جرأة , ولهذا السبب تبدو الفكرة اكثر استمتاعا بطريقة تطوير التخطيط والاضافة السطحية “طريقة الاضافة “اقرب الى التجسيم بعيدة عن الحفر بالمطرقة والازميل , بمعنى انها نزحت الى النحت البارز والمجسم دون اتباع طرق النحت ذاتها وتعد طريقة تطويرية ذات طابع متغير في التوزيع الكتلي للاجزاء داخل “لوحة رأس حصان ” مما يؤكد قدرة الفنان على الاثارة والاستمتاع في التنوع بالعمل الفني وهذا بحد ذاته تعريف بالتنظيم البنائي للشكلية المنتجة .حتى لنجد ايضا ان التفاصيل وجزئياتها في اللوحة ذاتها تعبير عن الحركة الداينمية لصورة الجزء في العين او الفك او الاذان او ماتلاه من تتابع في الشعر والحذورات .وبذلك ان الاستمتاع الجمالي في هكذا اعمال هو عملية متنامية خلاقة تم ادراكها وفقا للون النحاسي والاسود اللذين توثبا كلية اللوحة .
عليه موضوعيا ان فكرتي الخط العربي والرسم بالنحت كلاهما تقارب تشكيلي وسمة تجاذب تخطى “البعو” اولياتها للخروج بمواصفات اكثر تعقيدا في الطريقة لكنها اكثر امتاعا وديدنها القدرة على البحث في العمل الفني من خلال تنظيمه وتأثيره وهو العامل الموجه لتمييزه مهنيا .